"نوارة": الصوت المبحوح لقاع المدينة

"نوارة": الصوت المبحوح لقاع المدينة

23 مايو 2016
(لقطة من الفيلم)
+ الخط -

يعتبر متابعون في مصر أن أرشيف سينما العقد الماضي مليء بالأفلام التى تنبّأت بالثورة، أو على الأقل رصدت إرهاصاتها، داخل المجتمع الذي تململ من أوضاع تمضي به نحو الانفجار. اعتبر البعض فيلم "هي فوضى" لخالد يوسف تنبّؤاً بالثورة ضد القمع الأمني، وعلى المستوى الاجتماعي وتضييق الخناق على الطبقة الوسطى كانت أفلام مثل "حين ميسرة" و"دكان شحاتة" وغيرهما تجسيداً لهذا الغليان الذى سيخرج فى الثورة في ما بعد.

لكن عند الحديث عن فيلم "نوارة" (2016) نحتار بشكل كلّي؛ هل هو فيلم يتحدّث عن توابع الثورة في الخمس سنوات الأخيرة؟ أم أنه فيلم يتنبأ بثورة لم تقم من الأساس؟ أم عن ثورة مبتورة مرّت مرور الكرام على الطبقة الكادحة من المجتمع؟وذلك في ظلّ الانشغال السياسي العالي الصوت الذي يغطّي على الصوت المبحوح لتلك الطبقة، والمتجسّد في صوت منّة شلبي بطلة الفيلم.

يحيل "نوارة" ليس فقط إلى الواقع القاسي للطبقة التي لا تزال تعاني مشكلات نقص المياه والبطالة وتأخّر سن الزواج وتدنّي الرعاية الصحية، بل يحيل أيضاً إلى غرافيتي شهير على جدار كنيسة الأرمن الكاثوليك في شارع علوي "في ناس تحت عاوزة الأمل، لو مش عاوزه سيبهولهم" ليردّ الفيلم على هذه القناعة، بأن الطبقة الكادحة قُوّتها الأمل لكنها في النهاية ستكفر به عندما تقف، كما نوارة، في النهاية قبالة طريق مسدود.

الفيلم الذي يُعرض في القاهرة هذا الشهر من إخراج وسيناريو هالة خليل، وهو الفيلم الثالث لها بعد "أحلى الأوقات" و"قص ولزق"، حيث تقدّم في مشاهد مكثّفة رؤية للطبقة الكادحة المصرية من الثورة والذي تجلّى في مشهد الميكروباص الذي تستقله نوّارة في طريقها إلى العمل لدى أحد الأغنياء، فتعطّل مظاهرة حركة المرور، وحينها تخرج البطلة لتطلب من المتظاهرين الابتعاد وإفساح الطريق أمامها حتى لا يتسبّب تأخيرها في استقطاع من راتبها، رغم تضامن نوّارة مع الاحتجاج القائم لكن لم يكن أمامها إلا خيار ملاحقة الزمن حتى لا تخسر راتبها، فضلاً عن انشغالها بالثورة التي قيل لها إنها ستوزّع مبالغ مالية على الفقراء من الأموال التي نهبها النظام السابق ورجاله الفاسدون والتي ستستعاد بعد أن هُرّبت إلى الخارج.

كأن المخرجة أحبّت أن توقظ الطبقة الكادحة من تعاطيها مع الأمل بهذه الطريقة، من خلال إضاءة صفعتين: الأولى من رجال الأعمال الفاسدين، من يعمل لديهم شريحة كبيرة من الفقراء، وهو ما تجلّى في مشهد صفْع رجل الأعمال الفاسد لنوارة، وصفعة أخرى من الدولة التى حوّلت قبضتها من على رقاب رجال الأعمال الفاسدين إلى رقاب الفقراء مجدداً.

هكذا، حاول "نوارة" تسليط الضوء على ظلمات الطبقات الاجتماعية؛ حكايات صارت خافية مع اختفاء الأصوات التي تنادي بالعدالة الاجتماعية وتركيز أضواء الليبرالية من جديد، أو ربما هو محاولة لتقوم السينما بدور "نوارة" والذي يعني لغوياً "مصباحٌ ضوئيٌّ ضخمٌ يُستَخدَم للإضاءة ليلاً" كما أَنَّه صيغة مبالغة من النار.

لم يُمنع فيلم نوارة في القاهرة من العرض في دور السينما كما كان متوقعاً من قبل البعض، إذ يبدو أن الجهات الأمنية قرأت المشهد بشكل جيّد بحيث لا يهمّها منْع فيلم لن يحضره جمهور كبير، إذ تعاني الصالات مؤخراً من ضعف الإقبال، خصوصاً مع ارتباك الذائقة المصرية التي باتت تُقبل على أفلام السبكي والأفلام التجارية مرتكزة على الكوميديا والرقص، أو التقاتل فى الحارات.

غير أن هذه الفسحة لم تكن كاملة، حيث مُنع عرض "نوارة" في جامعة القاهرة، هناك يبدو أن الأمر مختلف، فربما تخوّف الأمن من هذا الحراك الطلابي الذي يُعلن عن نفسه من آن إلى آخر، وربما قد يساهم الفيلم في تطويره.

المساهمون