"نهاية العالم السعيدة": أطروحات للمراجعة

"نهاية العالم السعيدة": أطروحات للمراجعة

21 مارس 2020
إعلاق حديقة في جاكرتا (أغونغ كوكا)
+ الخط -

لم يكن تأليف ونشر كتاب "نهاية العالم السعيدة" للباحث الفرنسي جان باتيست فريسوز مرتبطاً بجائحة كورونا، حيث صدر مؤخراً عن منشورات "سوي" الفرنسية، غير أنه اليوم من غير الممكن أن يُقرأ دون ربطه بسياق الوباء العالمي الذي أخضع الدول والمجتمعات لسيناريوهات لم يكن يتوقعها أحد.

العمل يأتي ضمن مشروع مؤلفه في التأريخ للعلوم والتقنيات، لكن فريسوز بدأ يجمع في السنوات الأخيرة بين هذا الهدف والتأريخ لتأثيرات تطوّر مسار العلوم والتقنيات على البيئة، وبالتالي فإن ما يقترحه اليوم هو نص تأليفي بين التاريخ البشري والتاريخ الطبيعي، ليلتقي بذلك مع رؤية إحدى أبرز نظريات العلوم اليوم؛ "الأنثروبوسين"، والتي خصّص لها كتاباً صدر في 2013 بعنوان "مجيء الأنثروبوسين" بالاشتراك مع كريستوف بونوي.

في أعمال أخرى، بعضها صدر في كتب وأخرى في دراسات علمية، تصدى الباحث الفرنسي إلى تاريخ إشكاليات أساسية مثل أسباب ظهور الثورة الصناعية في بريطانيا وفرنسا، وعلاقة التطوّرات العلمية بالمناخ، وفهم استعمالات الطاقة من منظور تاريخي وثقافي.

في "نهاية العالم السعيدة"، يبحث فريسوز في ما يسمّيه بـ"تاريخ الخطر التكنولوجي"، فيطرح فرضية تسارع إنهاء الحياة في الأرض على خلفية أنها هاجسٌ سكن التاريخ البشري عبر الأدب والأسطورة وهو بصدد التحقُّق من خلال العلم. عبر تأريخه للتقنيات التي تساهم في إنهاء العالم، يضيء المؤلّف قدرة البشرية على إسكات صوت العقل فيها.

من جانب آخر يمكن قراءة عمل الباحث الفرنسي انطلاقاً مما يعيشه اليوم، ففكرة الوباء باتت تبدو لكثيرين فكرة مستبعدة خصوصاً في بلدان متقدمة تكنولوجياً، غير أن المفارقة أن العدوى انتقلت أساساً في بلدان في درجات تكنولوجية عليا مثل الصين وكوريا الجنوبية والولايات المتحدة الأميركية وفرنسا وألمانيا وإيطاليا. هذا الاستبعاد، والذي تدعمه ثقة هذه البلدان في إنتاج اللقاحات وقدرة نظامها الطبي على مجابهة الصعوبات الصحية، لعله أحد أسباب تفشّي الفيروس حيث يخلق طمأنينة هي أحد أشكال إسكات العقول التي تنتقد شكل التطوّر العلمي الذي تفرظه الرأسمالية على البشرية.

الفارق الوحيد الذي لم يلتفت إليه فريسوز، ولعلّ فيروس كورونا يدعوه إلى إدخال تعديلات، هو أنه يعتبر أن التقدم التكنولوجي يسمح بحالة من الغيبوبة، ومن هنا أطروحته الأساسية بأن التكنولوجيا برفاهيتها والثقة التي تزرعها في من يملكونها تخفي الخطر التكنولوجي والبيئي، وقد تبيّن أنها غير قادرة على ذلك هذه الأيام.

المساهمون