"نابليون الصحراء": وجوه متعدّدة للأمير عبد القادر

"نابليون الصحراء": وجوه متعدّدة للأمير عبد القادر

14 مارس 2017
الأمير عبد القادر (الثاني من اليمين) في فرنسا
+ الخط -

كثيرة هي استعادات زعيم المقاومة الجزائرية للاستعمار الفرنسي خلال القرن التاسع عشر؛ الأمير عبد القادر، من روايات ودراسات تاريخية وأعمال سينمائية، كانت كثيراً ما تضيء شخصية تاريخية تقاطع داخل سيرة حياتها صدامُ ثقافتين، وعلى مستويات مختلفة، من الحرب الشرسة إلى شكل حوار بين صديقين، كما تُظهر قراءات كثيرة حول علاقته بالإمبراطور نابليون الثالث.

آخر هذه الأعمال التي تتناول الأمير عبد القادر كتابٌ صدر مؤخراً في باريس عن منشورات "فانديميار" بعنوان "نابليون الصحراء" لـ أحمد بويردان (1967)، الباحث الجزائري الفرنسي في التاريخ.

منذ العنوان، تلفتنا استعارة المرجعيات الفرنسية، حيث يجري استجلاب صورة رمز العبقرية العسكرية الفرنسية الحديثة؛ نابليون بونابرت، وإسقاطها على الأمير عبد القادر رغم الاختلافات الجوهرية في طرق إدارة الحرب بينهما.

من خلال هذه الزاوية، تجري مماهاة عبد القادر بـ نابليون (الأول) رغم عدم وجود علاقة بينه وبين استعمار الجزائر. ولكن استدعاء اسم نابليون له دور ثانٍ، إذ حمله أيضاً نابليون الثالث (معاصر عبد القادر) والذي يرى المؤلف أن له نظرة إعجاب بالأمير عبد القادر كانت بداية فهم فرنسي جديد للجزائر والثقافة الإسلامية. رغم كل ذلك، تظلّ هذه الاستعارة قائمة على مركزية فرنسية إذ إنها لا تصف ما هو خارج عن ثقافتها إلا بمفرداتها.

بهذا العمل، يراكم بويردان اشتغالاته حول سيرة الزعيم الجزائري بعد مؤلفات مثل "عبد القادر، تناغم الأضداد" (2012) و"الأمير من خلال معاصريه" (2008). وإذا كانت نقطة ارتكازه سابقاً هي البعد الروحاني في تجربة الأمير عبد القادر، مقابل مادية الغرب، ها هو في عمله الجديد يريد أن يظهر أكثر الجانب الدنيوي حيث يركّز على فكره العسكري.

لكن كتاب "نابليون الصحراء" لن ينغلق على هذا البعد، فهو وإن دقّق في وقائع السنوات الأربع التي قاد فيها الأمير عبد القادر مقاومة شعبية ضد المستعمِر، سيواصل سرده في سنوات الأسر في قصر "فال دو لوار" وهناك يبرز حياة ثانية بعناصر جديدة تبدو مثل وجه ثان من العُملة نفسها.

ما يحسب للعمل الجديد هو جهد أرشيفي مثابر، حيث قدّم الباحث الجزائري الفرنسي وثائق تُنشر لأوّل مرة، انتقل لجمعها بين مكتبات خاصة ومؤسسات رسمية فرنسية، بالإضافة إلى استفادة من اشتغالاته السابقة على الرسائل والمخطوطات.

هل كان ممكناً كتابة هذا التاريخ دون هذه المرجعيات الوثائقية؟ تساؤل قد ينسّب بعض الشيء من خيار العنوان؛ فهو ليس سوى انعكاس لعدم القدرة على الإفلات من الإطار الفرنسي لكتابةٍ تاريخية ثرية عن شخصية جزائرية.

المساهمون