07 نوفمبر 2023
"مورين".. الإيمان بين الأنوثة والذكورة
"مورين".. الإيمان بين الأنوثة والذكورة
منير معاصري مع الطفلة مرين في فيلم "مورين"
سوف يتهيّأ لمن يتّجه لمشاهدة فيلم "مورين" الذي بدأ عرضه أخيراً في الصالات اللبنانية، ويروي قصّة حياة قدّيسة محلّية (من القلمون) تدعى مارينا (كارمن بصيبص)، أو مورين بحسب اللغة السريانية المستخدمة آنذاك، (715 – 750)، سوف يتهيأ له أنه مقبلٌ على رؤية وجه ملائكي من وجوه القداسة المعتادة تلك، المكلّلة بهالة من نور، أو الهابطة عليها من علٍ أشعةٌ إلهيةٌ ترمز إلى صفائها، وتدلّ على اصطفائها من دون الملايين من الناس.
لكن، مع طوني فرج الله، كاتب السيناريو ومخرج الفيلم، سوف يفاجأ المشاهد باختلاف زاوية النظر إلى المقدّس، إذ يصبح هنا لصيقا بتجاوز القانون الاجتماعي وخرق القانون اللاهوتي، وصولاً إلى إنشاء جسر مباشر مع الروحيّ، ولو عن طريق التنكّر والكذب، ذلك أن الحقيقة ليست في المطلق، وإنما في ما تمليه رغبة الروح، وتوقها إلى الاتصال مع الأحد الأوحد. تختلف زاوية النظر وتتبعها في الاختلاف أدواتُ التعبير، من تصوير وديكور وإخراج وموسيقى وملابس وتمثيل، فيتبدّى همُّ الاختلاف هذا جلياً في أدنى التفاصيل، وفي ما يشبه تحدّياً طرحه المخرج على نفسه، وهو أن ينجح في ابتداع سينما لبنانية خالصة، من العيار الثقيل، كما يكون المعدن الثمين خالصاً وثقيل العيار، أي نقياً غير مخلوطٍ أو مغشوش. وفي هذا، ربما، سبب بعض الالتواءات الطفيفة الناتجة عن الإصرار الكبير ذاك على إنجاح هذا الرهان. هذا وقد يتساءل سائلٌ عن السبب الذي حدا بطوني فرج الله (وشريكته في التنفيذ والإنتاج الممثلة تقلا شمعون) إلى اختيار هذا الموضوع بالذات، لكنه سيتنبّه سريعا إلى استثنائية الخيار وجانبه الثوري المعترض على قانون ديني ودنيوي، ما زال يحرم المرأة من الاضطلاع بأي دورٍ في المؤسسة الدينية الرسمية.
نحن في القرن السابع، في إحدى القرى المطلة على البحر، حيث يعيش صيادون في بيوتٍ من حجرٍ وخشبٍ وأسطح ترابية، وبالتحديد في بيت أحد الكهنة، جدّ مورين (منير معاصري، رائع في أدائه) الذي يشرف وحيداً على تربيتها، بعد وفاة أمها مباشرة بعد ولادتها، واختفاء والدها الذي لن ندرك إلا لاحقاً أنه قد أُسر على يد جنود بيزنطيين، إلى حين تحريره على يد العرب، والتحاقه راهباً في أحد أديرة وادي قنوبين، شمال لبنان. ومورين الطفلة التي تسأل جدّها لم لا يمكنها، كرفاقها من الأولاد، الخدمة في القدّاس وحمل المبخرة أو الكتاب المقدّس، تُبدي منذ صغرها اعتراضاً على شروط عيشها فتاة، ثم امرأة، وتصطدم باكراً بتقلّب العواطف البشرية، وحبّ ابن الجيران المتذبذب الذي نشأت معه، ووجدته يوماً يطارح صبية أخرى الغرام.
يظهر إبراهيم، والد مورين، متأخّراً، في ثوب راهبٍ آتٍ لزيارة الجدّ الكاهن الذي أقعده العجز، وأفقده استقلاليته وذاكرته، فصارت حفيدته هي التي ترعاه وتعتني به، باستثناء يوم تغيّبت فيه، فخرج ومشى تائهاً، إلى حين وقوعه من علٍ وتهشّمه على الصخور. تترك مورين القرية، بعد أن تقصّ شعرها قصيراً، وترتدي زيّ جندي بيزنطي، مرافقة أباها إلى الدير، لتعيش فيه باسم الراهب مورينو، ابن الراهب إبراهيم. غير أن الأمور ستسوء، حين سيتمّ اتهامه بالاعتداء على فتاةٍ معوّقة حملت منه، هي ابنة صاحب الخان، فيحاكمه رهبان الدير ورئيسه (غسان مسعود) ويُرمى في حظيرة الحيوانات. وحين تلد الفتاة طفلها، يؤمر الأخ مورينو بأخذ الطفل، ومغادرة الدير، ليهيم في الثلج والصقيع، حيث يرفض الجميع استقباله. وإذ يصبح الطفل على حافّة الموت، يدرُّ ثديا مورين الحليب، فتتمكّن من إطعام الطفل وإنقاذه.. تُبقي مورين سرّها محفوظاً، ويُسمح للأخ مورينو بالعودة إلى الدير، شرط تنفيذه الأعمال الشاقة التي تُطلب منه تكفيراً عن ذنبه، إلى أن تأتيه المنية، فيكتشف الرهبان أنه امرأة أمضت حياتها بينهم متنكّرة في زيّ راهب.
أخيراً، لا بدّ من القول إنّ فيلم مورين، على الرغم من بعض تراخٍ في بنيته، يستحقّ كلّ التحية والتنويه ببراعة مخرجه في الإلمام بكل التفاصيل (أقمشة الملابس والأزياء، اختيار أمكنة التصوير، بناء ديكورات خارجية، إدارة الممثلين، الموسيقى التصويرية، استخدام السريانية، إلخ) وإيلائها عنايةً جعل لها وجوداً فيزيائياً طاغياً، ولا بدّ من الإشارة إلى جهدٍ رائعٍ بذله كل الممثلين، وبقية صنّاع الفيلم الذين نجحوا في إنتاج قصيدةٍ بصريةٍ، ندر وجودها في الأفلام اللبنانية التي تتناول حقباً مختلفة من التاريخ.
ثمّة حقيقة سينمائية جميلة وناتئة، سترافق مُشاهدَ فيلم "مورين"، إثر خروجه من الصالة، إلى بعد حين.
لكن، مع طوني فرج الله، كاتب السيناريو ومخرج الفيلم، سوف يفاجأ المشاهد باختلاف زاوية النظر إلى المقدّس، إذ يصبح هنا لصيقا بتجاوز القانون الاجتماعي وخرق القانون اللاهوتي، وصولاً إلى إنشاء جسر مباشر مع الروحيّ، ولو عن طريق التنكّر والكذب، ذلك أن الحقيقة ليست في المطلق، وإنما في ما تمليه رغبة الروح، وتوقها إلى الاتصال مع الأحد الأوحد. تختلف زاوية النظر وتتبعها في الاختلاف أدواتُ التعبير، من تصوير وديكور وإخراج وموسيقى وملابس وتمثيل، فيتبدّى همُّ الاختلاف هذا جلياً في أدنى التفاصيل، وفي ما يشبه تحدّياً طرحه المخرج على نفسه، وهو أن ينجح في ابتداع سينما لبنانية خالصة، من العيار الثقيل، كما يكون المعدن الثمين خالصاً وثقيل العيار، أي نقياً غير مخلوطٍ أو مغشوش. وفي هذا، ربما، سبب بعض الالتواءات الطفيفة الناتجة عن الإصرار الكبير ذاك على إنجاح هذا الرهان. هذا وقد يتساءل سائلٌ عن السبب الذي حدا بطوني فرج الله (وشريكته في التنفيذ والإنتاج الممثلة تقلا شمعون) إلى اختيار هذا الموضوع بالذات، لكنه سيتنبّه سريعا إلى استثنائية الخيار وجانبه الثوري المعترض على قانون ديني ودنيوي، ما زال يحرم المرأة من الاضطلاع بأي دورٍ في المؤسسة الدينية الرسمية.
نحن في القرن السابع، في إحدى القرى المطلة على البحر، حيث يعيش صيادون في بيوتٍ من حجرٍ وخشبٍ وأسطح ترابية، وبالتحديد في بيت أحد الكهنة، جدّ مورين (منير معاصري، رائع في أدائه) الذي يشرف وحيداً على تربيتها، بعد وفاة أمها مباشرة بعد ولادتها، واختفاء والدها الذي لن ندرك إلا لاحقاً أنه قد أُسر على يد جنود بيزنطيين، إلى حين تحريره على يد العرب، والتحاقه راهباً في أحد أديرة وادي قنوبين، شمال لبنان. ومورين الطفلة التي تسأل جدّها لم لا يمكنها، كرفاقها من الأولاد، الخدمة في القدّاس وحمل المبخرة أو الكتاب المقدّس، تُبدي منذ صغرها اعتراضاً على شروط عيشها فتاة، ثم امرأة، وتصطدم باكراً بتقلّب العواطف البشرية، وحبّ ابن الجيران المتذبذب الذي نشأت معه، ووجدته يوماً يطارح صبية أخرى الغرام.
يظهر إبراهيم، والد مورين، متأخّراً، في ثوب راهبٍ آتٍ لزيارة الجدّ الكاهن الذي أقعده العجز، وأفقده استقلاليته وذاكرته، فصارت حفيدته هي التي ترعاه وتعتني به، باستثناء يوم تغيّبت فيه، فخرج ومشى تائهاً، إلى حين وقوعه من علٍ وتهشّمه على الصخور. تترك مورين القرية، بعد أن تقصّ شعرها قصيراً، وترتدي زيّ جندي بيزنطي، مرافقة أباها إلى الدير، لتعيش فيه باسم الراهب مورينو، ابن الراهب إبراهيم. غير أن الأمور ستسوء، حين سيتمّ اتهامه بالاعتداء على فتاةٍ معوّقة حملت منه، هي ابنة صاحب الخان، فيحاكمه رهبان الدير ورئيسه (غسان مسعود) ويُرمى في حظيرة الحيوانات. وحين تلد الفتاة طفلها، يؤمر الأخ مورينو بأخذ الطفل، ومغادرة الدير، ليهيم في الثلج والصقيع، حيث يرفض الجميع استقباله. وإذ يصبح الطفل على حافّة الموت، يدرُّ ثديا مورين الحليب، فتتمكّن من إطعام الطفل وإنقاذه.. تُبقي مورين سرّها محفوظاً، ويُسمح للأخ مورينو بالعودة إلى الدير، شرط تنفيذه الأعمال الشاقة التي تُطلب منه تكفيراً عن ذنبه، إلى أن تأتيه المنية، فيكتشف الرهبان أنه امرأة أمضت حياتها بينهم متنكّرة في زيّ راهب.
أخيراً، لا بدّ من القول إنّ فيلم مورين، على الرغم من بعض تراخٍ في بنيته، يستحقّ كلّ التحية والتنويه ببراعة مخرجه في الإلمام بكل التفاصيل (أقمشة الملابس والأزياء، اختيار أمكنة التصوير، بناء ديكورات خارجية، إدارة الممثلين، الموسيقى التصويرية، استخدام السريانية، إلخ) وإيلائها عنايةً جعل لها وجوداً فيزيائياً طاغياً، ولا بدّ من الإشارة إلى جهدٍ رائعٍ بذله كل الممثلين، وبقية صنّاع الفيلم الذين نجحوا في إنتاج قصيدةٍ بصريةٍ، ندر وجودها في الأفلام اللبنانية التي تتناول حقباً مختلفة من التاريخ.
ثمّة حقيقة سينمائية جميلة وناتئة، سترافق مُشاهدَ فيلم "مورين"، إثر خروجه من الصالة، إلى بعد حين.