"مهرجان مديين": محاولة إجهاض شرفة كولومبيا على العالم

"مهرجان مديين": محاولة إجهاض شرفة كولومبيا على العالم

31 يناير 2018
(فيرناندو ريندون في إحدى دورات مهرجان مديين الشعري)
+ الخط -

يبدو أن مسألة "المهرجان العالمي للشعر بمديين" في سبيلها لأن تتحول إلى قضية رأي عام في كولومبيا وفي أوساط شعراء العالم، بعدما اتهم مديره الشاعر فرناندو ريندون الجهات الرسمية في بلاده بمحاولة خنق المهرجان الذي يقف على أبواب إكمال عقده الثالث، وسبق إعلانه تراثاً ثقافياً للأمّة سنة 2007 من قبل البرلمان الكولومبي.

تأسس المهرجان سنة 1991 من قبل جماعة صغيرة من الشعراء الشباب الكولومبيين الحالمين في ذلك الوقت، وهم فرناندو ريندون وغلوريا شباتال وغابرييل خايمي فرانكو وخوان دييغو تامايو وخايرو غوثمان، لكن المهرجان صار مع مرور الزمن شرفة كولومبيا الأهم والأكثر شهرة على العالم، وخلق انطباعاً جميلاً وعميقاً لدى مئات الضيوف الأجانب من شعراء العالم عبر احتفائه بالشعر وبالإنصات إليه في منتديات وساحات وفضاءات عمومية ومسارح وملاعب تغص بالجمهور الآتي للاستماع إلى صوت الشعر في واحدة من أكثر المدن تضرراً من العنف منذ نصف قرن تقريباً.

لما بدأ المهرجان، كانت كولومبيا تعيش لحظات صعبة من تاريخها الأكثر دموية، بسبب اقتتال عصابات تهريب المخدرات التي كانت تجتاح مثل سرطان مديين، هجمات كانت تخلف أعداداً مروعة من القتلى في الشوارع والأحياء معظمهم من الشباب، يموتون في تبادل لإطلاق النار بين المافيا والجيش والشرطة النظاميين، كما سقط مئات من الناشطين والمثقفين في الأحداث التي شهدتها البلاد.

تدريجياً مضى مؤسسو المهرجان في دعم مشروعهم، الذي حظي في دوراته الأولى بمساندة شعراء كبار، من كولومبيا فرناندو شاري لارا، وراوول غوميث خاتين وجيوفاني كيسيب، ومن أميركا اللاتينية النيكاراغوية كلاريبيل أليغريا وجيوكندا بيللي، والأرجنتينيين خوان خيلمان وساوول يوركيفيتش وخورخي بوكانيرا وهوغو موخيكا، والبيروفيين خابيير سولوغورين وبلانكا باريلا، والتشيلي غونثالو روخاس، والفنزويليين يوخينيو مونطيخو ورفائيل كاديناس، والبوليفي إدواردو ميتري، والبرازيليين هارولدو دو كامبوس وأفونسو رومانو دي سانتا أنا وتياغو دي ميلو، والبرتغالي نونو جوديس، والمكسيكي خوسيه إيميليو باتشيكو، والعديد من الشعراء العرب، مثل الجزائري كاتب ياسين، والمغربي عبد اللطيف اللعبي، والسوري نوري الجراح، والأفارقة مثل النيجيري وول سوينكا، والأوروبيين مثل الفرنسيين كلود إستيبان وبرنار نويل، والإيطالي إدواردو سانغينيتي...

لقد استطاع المهرجان أن ينسج علاقات متشابكة مع جميع بقاع ودول العالم، وحجَّ إليه العديد من الشعراء من اليابان والصين، والعالم العربي وأفريقيا. وتحول إلى موعد بالنسبة للشعر العالمي. صار اسم مديين يقترن بأسماء العواصم الثقافية العالمية، بعدما كانت عاصمة للجريمة وسطوة عصابات المخدرات، وصار مهرجان الشعر يجذب اهتمام الإعلام والهيئات الدبلوماسية وعشاق السياحة الثقافية.

ما كان في البدء مجرد محاولة لإصدار أنطولوجيا شعرية "شعراء في نيسان"، وتأسيس مجلة بروميثيوس، من قبل شعراء شباب يكافحون من أجل إسماع صوت الشعر، تحول إلى معلم يفتخر به الكولومبيون، بفضل مشاركة سكان المدينة وزوارها، ما وصف بأنه أضخم جمهور للشعر في العالم.. الشعر الذي كان دوماً يراهن على الأقلية الشاسعة بحسب تعبير خوان رامون خيمينيث، بات النقاد والشعراء اليوم يعجزون عن فك لغز جماهيريته في مهرجان مديين، الذي عرّف العالم أن في المدينة الكولومبية ما يتجاوز صور العنف الإجرامي لعصابات تهريب المخدرات والعنف السياسي للعصابات شبه العسكرية لتصفية الخصوم السياسيين جسدياً من قبل الأوليغارشية.

كولومبيا ومديين هي أيضاً الشعر، والدفاع عن السلام ونبذ الحرب، وإتاحة الفرصة للشباب المبدع ليعبر عن ذاته بالشعر والغناء والفن. برزت أصوات شعرية من الأجيال الجديدة وخصوصاً جيل "الميليانز" أي "الألفيين" شاعراتٍ و شعراء، لكن موقف المهرجان من الحرب والأحداث السياسية في البلاد خلق له أعداء ضمن الطبقة السياسية المتنفذة، وهي الآن تحاول إسكات صوته المعارض بكل الأشكال، تضغط على الحكومة عبر وزارة الثقافة لخنق المهرجان بسحب أي دعم مادي ممكن له، وهو ما حصل مؤخراً حين أعلنت وزارة الثقافة الكولومبية ودونما تبرير واضح إلغاء الدعم المالي للمهرجان.

المساهمون