Skip to main content
"مهرجان القاهرة السينمائي": خطوات مهمّة
نديم جرجوره
من "دونباس" للأوكراني سيرغي لوزنيتسا (الملف الصحافي للفيلم)
لن يكفي الحصول على أفلام مُشاركة في مهرجانات دولية مختلفة (وبعضها فائز بجوائز أساسية) كي يتحقّق التجديد المطلوب لـ"مهرجان القاهرة السينمائي الدولي"، الذي يحتفل بدورته الـ40 بين 20 و29 نوفمبر/ تشرين الثاني 2018. لكن أفلامًا كهذه تشير إلى مكانة المهرجان في المشهد السينمائي الدولي، وهي مكانة محفوظة له منذ دورات عديدة سابقة.

ولن يكفي أن تطرح أفلام مختارة تساؤلات عميقة وصادمة عن الراهن والذاكرة والتفاصيل المتعلّقة بالذات وعلاقاتها وأهوائها، كي يُقال إن مهرجان القاهرة ـ بعرضها في دورته المقبلة تلك ـ ينفض عنه غبارًا عالقًا، ويُصلِح شيئًا من ارتباكاته. لكن التساؤلات تلك أساسية وضرورية وآنيّة، وإعادة طرحها ـ عبر الأفلام المختارة تلك ـ في القاهرة أساسيّة، لأن التساؤلات مشروعة، ولأن القاهرة محتاجة، في لحظة كالتي تمرّ بها، إلى عينٍ سينمائية مختلفة تُنبّهها، أو تحاول تنبيهها إلى مطبّات واعوجاجات تعكسها أفلام مختارة لعرضها في مهرجانها الدولي.

ولن يكون سهلاً التغاضي عن العمق الدرامي والجماليات السينمائية المُدهشة والتحريض الفني والثقافي والبصريّ التي تُتقن أفلامٌ عديدة مختارة للدورة الـ40 كيفية اشتغالها وبنائها وتقديمها، فهذه مسائل واضحة وأساسية. لكن المهمّ أيضًا كامنٌ في أن حضور المسائل هذه كلّها في مهرجانٍ يُقام في مدينةٍ تُعتبر منطلق الصناعة السينمائية العربية ـ وإنْ تعاني اضطرابات شتّى في السينما أولاً (من دون تجاوز الجديد الصادم والمُغيِّر والحيوي والبديع فيها، رغم أنه قليلٌ)، وفي السياسة والاقتصاد والاجتماع والأمن ثانيًا ـ يُشكِّل (حضور المسائل) لحظة تأمّل إضافيّ في أحوال العالم والناس، وفي مسارات أفراد وجماعات.

المُعلن عنه لغاية الآن كافٍ للقول إن البرنامج يحثّ على معاينة شيءٍ متواضع من المسار السينمائي والثقافي والفني لمهرجانٍ يُراد له أن يستعيد حيويته وقدرته على المناكفة والمواجهة والتصدّي، عبر السينما وعوالمها وفضاءاتها، في ظلّ خراب يعتمل بحدّة وعنف في المجتمع المصري حاليًا، كما في المجتمعات العربية والعالم أيضًا.

فأفلام كـ"كتاب الصورة" للسويسري الفرنسي جان ـ لوك غودار و"دونباس" للأوكراني سيرغي لوزنيتسا و"آيكا" للكازاخستاني الروسي سيرغي دفورتسفوي و"فالس فالدهايم" للنمساوية روث بكرمان و"رجل القفز" للروسي إيفان تفردوفسكي و"لا يهمّني إنْ أداننا التاريخ كبرابرة" للروماني رادو جود وغيرها، تأتي إلى القاهرة كي تُكمل مسارًا أطلقته في عروضها الدولية الأولى في مهرجانات فاعلة ومؤثّرة في العالم، كـ"كانّ" وبرلين وفينيسيا وكارلوفي فاري وسراييفو، وكي تؤكّد مجدّدًا أن السينما بوحٌ وتحدّ وفعلٌ ثقافي وإنساني وأخلاقي، وأن الصُور المستلّة من وقائع وأحوالٍ ـ راهنة أو قديمة ـ انعكاسٌ لجمال المخيّلة في ابتكار حكايات الصُور وصانعيها.

وهذا يُضاف إلى اختيار "ليل/ خارجي" للمصري أحمد عبدالله السيّد، أحد أبرز سينمائيي الجيل الشبابيّ التجديدي في الصورة واللغة البصرية والمعاينات الواقعية لأحوال الناس وتبدّلاتها (بانتظار معرفة نتيحة اختيار أفلام عربية أخرى). بهذا، يُؤكّد مهرجان القاهرة، مجدّدًا، تبّنيه شكلاً سينمائياً محلياً يُغاير بعض السائد، ويقول شيئًا من جماليات الصورة في سرد حكايات آنية.