"من العدم"... غياب العدالة يصنع التطرف

"من العدم"... غياب العدالة يصنع التطرف

17 يناير 2018
كاتيا في الفيلم (يوتيوب)
+ الخط -
فاز فيلم "من العدم" أو "Aus Dem Nichts" بالألمانيَّة، أو "In the Fade" من إنتاج 2017، للمخرج الألماني الجنسيَّة، التركيّ الأصل، فاتح أكين، بجائزة أفضل فيلم أجنبي في حفل "غولدن غلوب". الفيلمُ من بطولة الممثّلة الألمانيّة الشهيرة، ديان كروجر، إذْ تقوم بأداء دور "كاتيا"، الشخصيَّة الرئيسيَّة في الفيلم. وكان الفيلم قد نافس أيضاً على الجائزة الرئيسيَّة في مهرجان "كان" السينمائي في مايو/ أيّار الماضي من السنة الماضية. 

في نهاية الفيلم، نفهم أنَّ أكين استوحى أحداث الفيلم في أعقاب الكشف عام 2011 عن قيام خلية "الحركة السرية الاشتراكية القومية" (إن إس يو) الألمانية اليمينية المتطرفة بتنفيذ عمليات قتل ضد تسعة أشخاص، هم بشكل خاص أتراك ومهاجرون، في أنحاء متفرقة من ألمانيا خلال الفترة بين 2000 و2007.

آكين، مزدوج الهويَّة، تركيّ أسود الشعر، ملامحه الأجنبيَّة صارخة، ولد وعاش في مدينة هامبورغ الألمانية البيضاء. صراع هويّة عاشه الشاب اليافع بين مواطنةٍ ألمانيَّة وهويّة تركيّة أصليّة. وتنبه، منذ بداياته السينمائيَّة إلى أزمات الهويَّة وإلحاح مشاكل الاندماج وسياسات الهويَّة والتركيز على "التعددية الثقافيّة" و"احترام الثقافات"، وغير ذلك من المفاهيم التي يعاني منها المجتمع الألماني في علاقته مع الجاليات المهاجرة. تقريبًا، غالبيّة أفلام آكين تدور حول أوضاع الجاليات المهاجرة، وتحديدًا الجاليات الكرديّة والتركيّة، في أوروبا عمومًا، وألمانيا خصوصاً.

كاتيا، امرأة ألمانيّة متزوّجة من رجل كرديّ قادم من تركيا، وأنجبت منه طفلاً. لزوجها، المهاجر، سوابق في عوالم المخدّرات وبيع الحشيش والتجارة في سوق العمل السوداء. توصِل كاتيا ابنها إلى مكتب زوجها، لتسمع في الأخبار بعد ساعات بأنّ انفجارًا حصل في نفس المنطقة التي يعمل فيها زوجها. تهرعُ إلى مكان الحادث، لترى المكتب محطمًا دمره الانفجار. لاحقاً، تخبرها الشرطة بأنَّ تحليلات الحمض النووي، كشفت أنّ زوجها وابنها قد توفّيا في الحادثة، وأنّ زوجها مستهدف، وأنّ ما حصل هو عمليَّة اغتيالٍ مُدبّرة، إذْ وُضِعَت حقيبةٌ مليئة بالمتفجّرات أمام مكتبه. تتذكّر كاتيا وجه امرأة ألمانية شقراء كحلم، أثناء إيصال ابنها إلى زوجها. تُعتقَل المرأة مع صديقها، وتبدأ إجراءات المحكمة ضدّهما كمشتبه بهما في الجريمة. إنّهم النازيّون.

أثناء فعاليّات سير المحكمة، تعجز البيروقراطيّة الألمانيَّة، وعمليات التأكّد الحقوقي الدقيق من الأدلّة، والربّط المنطقي بينها، في بناء سرديّة محكمة وعقلانيَّة ومنطقيّة عن العمليَّة. ثمّة خيوط ضائعة لم يتمكّن محامي الادّعاء الخاص بكاتيا من إثباتها، ولذلك، تفشل البيروقراطيّة المنطقيّة العقلانية الأوروبيّة في إدانة الجريمة الواقعيَّة، وتفشل العدالة، ويتمّ إطلاق سراح المشتبه بهم، ولا تتمكّن الدولة من تحقيق العدالة.

تلاحق كاتيا أعضاء العصابة التي تكون في إجازة في أوروبا، تراقبهم وتكشف المكان الذي يقيمون فيه، تفخّخ نفسها، وتجهّز حقيبة متفجّرات تشبه حقيبة المتفجّرات التي أودت بزوجها وطفلها. تعمل كاتيا على تحقيق العدالة التي فشلت الدولة في تحقيقها، عدالة من تحت، عدالة عدميَّة فرديَّة تتولّد من فشل العدالة الجماعيّة العامة، وينتهي الفيلم بخلاصة: يولد التطرّف من غياب العدالة.



المساهمون