"ملحمة" ليستير سيتي: الكرة أصدق إنباءً من الأرقام

"ملحمة" ليستير سيتي: الكرة أصدق إنباءً من الأرقام

03 مارس 2017
(ليستر سيتي ضد ليفربول، تصوير: مايكل ريغان)
+ الخط -
منذ أن ازدادت شعبية كرة القدم، وأصبحت عاطفة الجمهور تجاه اللعبة ظاهرة منتشرة حول العالم، حاولت رؤوس الأموال أن تستثمر تلك العاطفة، وأن تحوّلها لأرقام لتحسّن استثمارها، فأنشأت مؤسّسات خاصّة بالتوقّعات والمراهنات، واستحدثت عدّة وظائف ومهن في نطاق ما يُدعى "التحليل الرياضي"، لدراسة معطيات اللعبة بلغة الأرقام والإحصاء.

وفي السنوات الأخيرة، شهد عالم كرة القدم تضخمًا ماليًا، فأصبحت صفقات انتقال اللاعبين تتم بأرقام "فلكية"، تصل لمئات ملايين الدولارات، كما حدث في صفقة عودة اللاعب الفرنسي بول بوجبا إلى ناديه "مانشستر يونايتد" في صيف 2016؛ وأصبح النقاش حول القيمة المالية للاعبين، أمرًا لا غنى عنه في السّجالات الكروية.

وفي عالم كرة القدم الحديث، الذي بات محكومًا بالقوانين الموضوعية، والذي باتت فيه العوامل الاقتصادية والعلامات التجارية الكبرى مسؤولة عن تحديد هوية المنافسين على الألقاب في الدوريات الكبرى، تمكّن نادي "ليستر سيتي" الإنكليزي من صناعة الحدث، ودوّن اسمه في تاريخ كرة القدم من خلال "ملحمة كروية"، بعيدة عن لغة الأرقام والإحصاء؛ ومن الممكن أن نسرد ملحمة "ليستر سيتي" في ستة فصول:


الفصل الأول: النادي الصاعد ينجو من الهبوط
بعد أن حقق "ليستر سيتي" لقب بطولة الدوري الدرجة الأولى في إنكلترا موسم 2013- 2014، صعد إلى البريميرليغ، ليلعب بين الكبار؛ وبعد أسابيع من انطلاقة الدوري الإنكليزي الممتاز موسم 2014 – 2015، أشارت الإحصائيات والدراسات التحليلية الكروية، إلى أن "ليستر سيتي" هو أقرب المرشّحين للهبوط إلى دوري الدرجة الأولى من جديد، ولكن الفريق تحسن أداؤه في الأسابيع الأخيرة من الدوري، واستطاع أن يربح في سبع مباريات من أصل التسع الأخيرة، ليُنهي الموسم في المركز الرابع عشر. واعتبر المحلّلون الرياضيون أن ما فعله "ليستر سيتي" في ذلك الموسم كان إنجازًا. إلا أن هذا الإنجاز لم يشفع للمدرب نايجل بيرسون، فاستغنى النادي عن خدماته عقب انتهاء الموسم.


الفصل الثاني: "ليستر سيتي" الحصان الأسود
في موسم 2015 – 2016، بعد أن تسلّم المدرب الإيطالي، كلاوديو رانيري، دفة القيادة، تحسّنت النتائج بصورة ملموسة، واستطاع النادي المغمور، الذي أُسّس سنة 1884، أن يبصم على أفضل مستوى له في تاريخه، فاعتبره المحلّلون الرياضيون "الحصان الأسود" في البطولة، الذي سيناطح الكبار، وسيسقط في نهاية المطاف نتيجةً للحتمية الموضوعية في عالم كرة القدم، فـ"ليستر سيتي" بلا تاريخ، وقوّته الشرائية ضعيفة، فثمن الفريق بأكمله في سوق الانتقالات لا يساوي ثمن نجم واحد بالفرق الكبرى، وأغلب لاعبي الفريق هم من الهوامش، فهدّاف الفريق الأوّل، الإنكليزي جيمي فاردي، كان يلعب قبل 4 أعوام بدوري الدرجة السابعة، ويعمل في الوقت ذاته كعامل في المناجم، ونجم الفريق الأوّل، الجزائري رياض محرز، كان يجلس على كرسي الاحتياط في كأس العالم 2014؛ ورغم تصدر "ليستر سيتي" للدوري الإنكليزي بعد انتصافه، إلا أن المحلّلين الرياضيين راهنوا على سقوطه، وعلى عدم قدرته على الاستمرار في القمّة، فقال ميدو، محلل "بي إن سبورت"، إنه سيحلق شعره إن استطاع "ليستر سيتي" أن يكسب بطولة الدوري، وذلك ما حدث بالفعل على الهواء مباشرةً.


الفصل الثالث: معجزة "ليستر سيتي"
في نهاية الموسم الماضي، احتفل العالم الكروي بفوز "ليستر سيتي" ببطولة الدوري الإنكليزي الممتاز، واعتبروا إنجاز النادي المغمور بمثابة المعجزة، رغم أن لاعبي "ليستر سيتي" لا يعانون من أي مشكلة جسدية، فلا هم أقزام ولا هم بدناء، وليسوا من ذوي الاحتياجات الخاصّة، كل ما في الأمر أنهم لاعبون مغمورون يلعبون تحت قيادة مدرّب لم يجمعه التاريخ بالألقاب، لناد لا يعتبر اسمه علامة تجارية "ماركة"، رغم أن قوانين كرة القدم لا تعطي نقاطًا إضافية للأندية الكبرى، وتحتسب الأهداف فيها على أرض الملعب، وليس في صفقات انتقال اللاعبين الفصلية.


الفصل الرابع: فقاعة "ليستر سيتي"
بعد أن تحقّقت "المعجزة"، وتم تصدير لاعبي "ليستر سيتي" ومدربهم رانيري كأبطال فوق العادة، انهالت الفرق الكبرى بالعروض المغرية على اللاعبين، ولكن معظمهم فضّلوا الوفاء للنادي الذي منحهم المجد؛ وجاء الموسم الجديد محمّلًا بالصدمات، فتوالت نتائج "ليستر سيتي" السلبية، التي جعلت النادي يتحوّل بسرعة كبيرة إلى فقاعة إعلامية، وتحوّل البطل إلى مهرّج، وسرعان ما ابتعد عن مقاعد الكبار وجلس على الحافة المهدّدة بالسقوط.


الفصل الخامس: تكريم وإقالة
لم يقض أداء الفريق الهزيل هذا الموسم على معجزة "ليستر سيتي"، ففي بداية العام الحالي، تسلّم المدرّب الإيطالي، كلاوديو رانيري، جائزة أفضل مدرّب في عام 2016، تقديرًا لدوره في صناعة المعجزة؛ ولكن هذا التكريم، والتقدير الإعلامي للمدرّب الإيطالي، لم يمنعا إدارة النادي من إقالته، نظرًا لسوء النتائج في الموسم الحالي؛ ولم يمرّ قرار إدارة النادي بسلام، فانتقد الإعلاميون والمحلّلون الرياضيون إدارة النادي، الناكرة للجميل، بسبب إقالة رانييري، الذي يعود له الفضل بإنجاز النادي التاريخي، والذي يقبع فريقه بالمركز الثامن عشر؛ علمًا أن البعض من هؤلاء الإعلاميين، طالبوا وناشدوا بمقالاتهم إدارة نادي "برشلونة" هذا الموسم، لإقالة لويس إنريكي، عندما كان فريقه يحتل المركز الثالث. بل إن بعض المقالات التي كُتبت لتوصيف الحالة، بدت في غاية السذاجة، كالمقالة التي نشرها موقع "غول" في العربية، والتي حملت اللاعب الفرنسي كانتي مسؤولية تدهور حال "ليستر سيتي" وإقالة رانيري، علمًا أنه اللاعب الأساسي الوحيد المنتقل من النادي في بداية الموسم.


الفصل السادس: نظرية المؤامرة
تكهّنت التقارير الإعلامية بأن النادي سيندم على قراره المتسرع بعد حين، ولكن "ليستر سيتي" تمكّن من الفوز في أوّل مباراة له بدون رانيري، على العملاق الإنكليزي "ليفربول"، فاتجهت أصابع الاتهام نحو اللاعبين، واعتبر محلّلون وصحافيون أن رانيري ضحية لمؤامرة حاكها اللاعبون، ليدافعوا من خلال ادعائهم عن قوانين كرة القدم الموضوعية.