"مصلحة الطفل الفضلى" - تابع

"مصلحة الطفل الفضلى" - تابع

05 اغسطس 2019
هل مَن يدرك مصلحتها؟ (Getty)
+ الخط -

"مصلحة الطفل الفضلى". استناداً إلى ما جاء في مقال سابق، هذا ما يشترطه المعنيّون لمنح أحد الوالدَين أو الاثنَين معاً حقّ حضانة ولدهما أو أولادهما القصّر، في أكثر من دولة. وتلك المصلحة يحرص عليها هؤلاء ويجعلونها أولويّة لهم، بغضّ النظر عن مصلحة أيّ من الوالدَين في حالات النزاع حول الحضانة، فالطفل بالنسبة إليهم هو الأساس. ولأنّ "المدينة الفاضلة" ليست سوى مصطلح أفلاطونيّ في عالمنا اليوم، مثلما كان في الأمس وسوف يكون في الغد، تتعدّد الاستثناءات في السياق.

في محاولة للاطّلاع على مسألة الحضانة في دول مختلفة، قد يُفاجأ الواحد منّا عند وقوعه على منشورات وقضايا تشير بصراحة إلى غبن واقع في حقّ الأب وإلى تمييز ضدّه على أساس الجنس. أن يُفاجأ الواحد منّا أمر بديهيّ ومشروع، لا سيّما أنّ قوانين الأحوال الشخصيّة السارية في بلداننا - منها لبنان - والخاضعة إلى أحكام الطوائف، باختلافها، ترجّح كفّة الأب في موضوع الحضانة، لا بل تلحق الغبن بالأمّ. يُذكر أنّ قوانين تلك الدول لا تلحظ أحقيّة الأمّ في الحضانة، وإن كانت تلك الحضانة تُمنَح لها، لسبب أو لآخر، في معظم حالات النزاعات أمام الهيئات القضائيّة المكلّفة شؤون الأسرة. تلك القوانين تقول صراحة بالحضانة المشتركة، نظراً إلى أهميّة دور كلّ واحد من الوالدَين، الأب والأمّ، في حياة ولدهما وتربيته. وفي ما يتعلّق بالنزاعات القضائيّة ذات الصلة، بيّنت أرقام وزارة العدل الفرنسيّة الأخيرة، على سبيل المثال، أنّ حضانة 70 في المائة من الأطفال أُوكِلت إلى الأمّ في حال طلاق الوالدَين، وحضانة ستّة في المائة فقط إلى الأب، لتأتي حضانة 21 في المائة مشتركة بين الأمّ والأب، أمّا ثلاثة في المائة من الأطفال فتوزّعوا في حالات أخرى.




في بلداننا، خصوصاً لبنان في الآونة الأخيرة، تُنظَّم حملات مطالبة بحقّ الأمّ في الحضانة ومندّدة بالإجحاف الذي تقع ضحيّته وقد سُلخت عنها فلذة كبدها. لا شكّ في أنّ الواقع "ظالم" بالنسبة إلى المرأة/ الأمّ في مجتمعاتنا، وهذا أمر لا يحتمل الجدال، غير أنّ المطالبة بحقّها في الحضانة الحصريّة وإسقاط حقّ الأب فيها أمران جائران كذلك. فسعي ناشطين وناشطات كثر إلى "شَيطنة" الرجل وترسيخ صورة المرأة "أمّي يا ملاكي" لا يخدم بأيّ حالة من الأحوال "مصلحة الطفل الفضلى". ربّما كانت الأمّ هي "الشيطان" في حالة أو في أخرى. أمّا المصلحة الفضلى فتقتضي، بحسب هؤلاء الذين يحاولون الغوص في النفس البشريّة وكذلك الذين يحاولون سبر المجتمع وأحوال أهله، أن يدرك الوالدان حاجة صغيرهما إليهما على حدّ سواء، من دون أن يعني ذلك اضطرارهما إلى البقاء تحت سقف واحد "من أجله". وفقط، عند إدراكهما ذلك، إلى جانب ابتعادهما عن الكيديّة، يتمكّنان من ضمان نموّه بتوازن وإن ترافق ذلك مع بضع عثرات... "المدينة الفاضلة" ليست سوى مصطلح أفلاطونيّ.

المساهمون