"مشروع قوّة" و"علاقة قاتلة": التكرار البصريّ لا يصنع سينما

"مشروع قوّة" و"علاقة قاتلة": التكرار البصريّ لا يصنع سينما

17 اغسطس 2020
دومينيك فيشباك بطلة "مشروع قوّة" (باسكال لو سيغروتان/Getty)
+ الخط -

المشترك بين "مشروع قوّة" (Project Power) لآرييل شولمان وهنري جووست و"علاقة قاتلة" (Fatal Affair) لبيتر سولّيفان كامنٌ في أنّ أحداثهما الدرامية متوقَّعة للغاية، وفي أنّ الجديد مختفٍ، في الكتابة والسياق والمناخ العام. المتوقَّع ثقيل الوطأة، إذْ يُصبح المسار باهتاً وغير جاذبٍ ومُملّ. اختفاء الجديد، وإنْ يكن الموضوع مُكرّراً، دليل عقمٍ في التفكير والاشتغال، بدءاً من الكتابة. لكنّ الاختفاء نفسه مطلوبٌ أحياناً من منتجين يظنّون، لسببٍ ما، أنّ المنتوج الذين يصنعون قابلٌ للرواج بين مُشاهدين يطمحون إلى تسلية، وإنْ يكن مُكرّراً. والإضافات البصرية، إنْ تحصل أحياناً، تبقى أسيرة الصورة، من دون تأثيراتٍ مطلوبة، ما يُفقِد الصنيع السينمائيّ كلّ أهمية جمالية ودرامية.

المشترك بين هذين الفيلمين، المعروضَين حالياً على شاشة المنصّة الأميركية "نتفليكس" (الأول بدءاً من 14 أغسطس/ آب 2020، والثاني منذ 16 يوليو/ تموز 2020)، كامنٌ في انشغالهما بنمطٍ تشويقيّ، يغوص في تداعيات ابتكارٍ علميّ يصنع مستقبلاً مختلفاً تماماً للعالم والبشرية (مشروع قوّة)، ويتوه في الروح والغريزة والاضطراب النفسيّ، بحثاً عن ثأرٍ لن يكتمل، أو سعياً إلى خلاصٍ معطّل (علاقة قاتلة). وإذْ يبتعد الأول قليلاً عن عناوين أفلام سابقة تُشبه موضوعه، فإنّ الثاني يقترب كثيراً من العنوان العام للعلاقة القائمة بين الجسد والحبّ والعنف الانفعاليّ والعاطفيّ، الحاصلة كلّها في أفلامٍ سابقة أيضاً.

 

 

حبّة واحدة تكفي لتحويل المرء إلى قوّة تبطش وتقتل وتُغيّر معالم الكون. حكاية طبية قديمة، تعود تفاصيلها إلى خمسينيات القرن الـ20، تؤسّس لراهنٍ تحدث تفاصيله في نيو أورليانز، كمختبرٍ لتجارب يُراد التأكّد من صحّتها للبدء بمغامرة الانقلاب على العالم بصورته الحالية. طبّ وعلمٍ يؤسّسان، لكنّهما يتراجعان سريعاً لمصلحة المال والنزاع الدائم بين الخير والشرّ، فالأول (الخير) معنيٌّ إمّا بإنقاذ ابنة تمتلك مقوّمات صحّية وعلمية "مهمّة" جداً لتصنيع الحبّة المذكورة وتطوير مفاعيلها وتأثيراتها؛ وإمّا برغبة جامحة في إنقاذ الناس من هذا الجُرم المرفوض، ترتكز (الرغبة) على حسّ "وطني" بانتماء إلى تلك المدينة الكبيرة في ولاية لويزيانا، وبسعي دؤوب إلى حمايتها وتحريرها من سطوة فاسدين ومجرمين. أما الثاني (الشرّ)، فمتأتٍ من اختراع غريب لحبّة غريبة تحوّل الكيان البشريّ للفرد إلى وحشٍ قاتل وعنيف، رغم أنّ بعض الأفراد يتمكّنون من السيطرة على أنفسهم عند تناولها لأغراضٍ "غير شريرة" أحياناً (مشروع قوّة)؛ أو ينبثق من اضطرابٍ نفسيّ يقود المُصاب به إلى انتقامٍ فاشلٍ بعد 20 عاماً، من شابّة تُصبح محامية وزوجة وأمٍ (علاقة قاتلة).

هذا غير مرتبط بكون الاشتغال السينمائي التقليدي، في أفلامٍ كهذه، متين الصُنعة، أو لا. التقنيات في خدمة كلّ شيء، والنصّ العاديّ قادرٌ على أنْ يمنح الإنتاج إمكانية تحقيق عملٍ متكامل، كتابة ومعالجة وسرداً وتمثيلاً وتوليفاً وصوتاً وموسيقى إلخ. المتوقَّع والعادي والمُكرَّر مسائل مشغولة بحرفية معروفة، وهذا كافٍ لدفع كلّ نتاج بصري كهذين الفيلمين إلى واجهة المشهد، وإنْ لفترة وجيزة، وإنْ على شاشة منصّة كـ"نتفليكس"، لا على شاشة عريضة في صالة عرض كبيرة.

التشويق والمطاردات و"حَبْس" الأنفاس مسائل معتادة، لكنّها في هذين الفيلمين غير قادرة على إثارة حماسة المتابعة الجدّية. حتّى التسلية مفقودة، فالمتوقَّع غالبٌ، ولهذا يتمكّن من تغييب مطلق لكلّ حماسة مطلوبة.

المساهمون