"مرشّحون للانتحار" لحمزة عاطفي: رمزية الألم

"مرشّحون للانتحار" لحمزة عاطفي: رمزية الألم

08 مايو 2020
غالية بن زاوية: عيش الانتحار (الملف الصحافي للفيلم)
+ الخط -
تستعيد مُشاهدة "مرشّحون للانتحار" (2019)، للمغربيّ حمزة عاطفي، قولاً لغاستون باشلار يرى أنّ الموت "صورة قبل أيّ شيء آخر". لكنّ هذه الصورة تنطبع بها المخيّلة، ويتدفّق معها الألم في الجسد. لذلك، فتخيّل الموت يترافق والتألّم. في الفيلم القصير هذا، يتجاوز الموت صورته الميتافيزيقية، وفي كونه مشروعاً أو سفراً إلى عالمٍ آخر، مُتحرّراً من بؤس الذات وقلق الكينونة، ليغدو صورة مُتخيّلة ومتوهّجة ليس بالموت نفسه، بل برمزية الألم، التي تُشكّل وتصوغ جمالياً صورة الموت في الفيلم، بأخذها طابعاً فنياً ومسارات جمالية في الذات المكلومة للإنسان، بسبب الإقصاء الاجتماعي والعنف اليومي المُمارَس عليه.

تقترب الصورة التي يرسمها حمزة عاطفي للانتحار من السوريالية، نظراً إلى الصوَر المتعدّدة، المرسومة للموت في السينما العربية، التي لا تخرج بمجملها عن الطابع الميتافيزيقي للموت. هناك خيال يُلحم صُوَر المَشاهد، ويجعلها تلتقط تفاصيل صغيرة في الحياة اليومية للناس. فالعربي خزوزو شخص مهمّش، يُضحّي بنفسه من أجل المصلحة العامة في "دار التضحية"، التي تستقبل المرشّحين للانتحار. هناك، يكتشف أن الرصاص نافد، باستثناء واحدة لا تُصيبه في رأسه كما أراد، بل تُسبّب له ألماً وجرحاً، وتجعله أخرس.

الموت في فيلم حمزة عاطفي يحيط بنا، لكنّه يتهكّم علينا ويُمارِس سخريته عن قرب، تارة بالمرارة، وتارة أخرى بسخرية مغلّفة بالألم، جرّاء الإقصاء الاجتماعي الأشبه بالنفي والموت. إنّه موت مُتكرّر وألم مُضاعَف، ومع ذلك فإنّ صورة الانتحار لم تخرج عن الأدبيات السوسيولوجية المُرتكزة على حدث معين يدفع المرء إلى الانتحار. يتجلّى هذا في شخصية موظّفة الدار (غالية بنزاوية) التي انتحرت بسبب غياب حبيبها، وأيضاً في شخصية العربي المنبوذ والمُهمّش في مجتمع لا يرحم.

بالإضافة إلى هذا، يتميز "مرشّحون للانتحار" بكثافة الرؤية وجماليّات الصورة والشكل، قلّما نعثر عليها في الفيلم المغربي القصير، بسبب اشتغال متأتٍ من سُلطة الموضوع، الأفضل من الشكل لدى حمزة عاطفي. مع ذلك، تتراجع القصّة وتختفي أمام شخصياتها، تاركةً مكانة أكبر لتعبير الصورة وبلاغتها في نسج وشائج مُتخيّلة بين الذات وأنطولوجيا الموت. هذا رغم أنّ طوبوغرافية الصورة السينمائية في تمثّلاتها الأولى في الفيلم لم تنجح في سبر أغوار الموضوع، وإقامة فحص دقيق في توصيل المعنى إلى المُشاهد.

لكن مَشاهد الصمت وموسيقاه أقوى في التأثير وصوغ المعنى، الذي لم تبلغه الصورة. فهي قامت بتثمينها وجعل معناها أوضح في ذهنية المُشاهد، ما جعل الصورة تأخذ أبعاداً تأويلية متشعّبة، تغوص في المكان والجغرافيا والذات في علاقتها بالوجود والعالم المتشظّي الذي ننتمي إليه. شخصيات الفيلم تبدو منفصلة عن واقعها وجودياً واجتماعياً، ما يدفعها إلى الهرب إلى "دار التضحية"، للموت والتخلّص من المشاكل النفسية والاجتماعية، لأنّ الموت في مسار تلك الشخصيات تطهيرٌ للجسد، وتخليصٌ له من جرح الواقع وحمى الخوف والإقصاء والتشرّد والمنفى. هذا كلّه يمتزج بأسلوب تشويق هيتشكوكي، من خلال تسلسل صُوَر المَشاهد الأولى، وتمديد مفهوم الزمن فيها، ما يجعلها تنضح ببعض خصوصيات الفيلم الطويل. لكن، سرعان ما تتبدّد هذه الفكرة، وتأخذ الأحداث مسارات أخرى، وتتحوّل معها الكاميرا إلى شخصية الفتاة الثانية، والتقاط تفاصيل من أحلامها ورومانسيتها ونفسيتها المُرتبكة، التي تجعلها تُقدم على الانتحار بالرصاص.

المساهمون