"مبدع شاب" بعد الخمسين

"مبدع شاب" بعد الخمسين

15 سبتمبر 2015
همام السيد [جزء من لوحة] / سورية
+ الخط -

ليس لـ"أدب الشباب" تعريف واضح في المشهد الثقافي العربي. المصطلح يجري توظيفه، عادةً، كيفما اتفق. إذ لا غرابة أن يستعمله "الكهول والشيوخ" لتحقيق ما يشبه التمايز مع "اليافعين والشبّان". ولا غرابة أيضاً أن تستعمله المؤسسات البيروقراطية التي تعكف على مسابقات كرنفاليّة، تُحدّد، سلفاً، أعمار المتنافسين الذين تَزّج بهم في معارك "إبداعيّة" لا طحن فيها ولا غبار.

في السياق نفسه، يحدث أن يبلغ قاصّ فلسطينيّ الأربعين أو الخمسين من العمر؛ فينعته أقرانه -الذين يكبرونه بقليل- بـ"المبدع الشاب!". ويحدث أن تستضيف معارض الكتب العربيّة ندوات تُعنى بـ"أدب الشباب" فيهرع إليها، ويحاضر فيها عدد من "الشباب" المأسوف على شبابهم.

هذا يشبه التندّر على حال "المجلس الأعلى للشباب والرياضة" في فلسطين، ذلك الذي عينت فيه السلطة الفلسطينية، قبل سنوات، مجموعة من الطاعنين في السنّ. تقابله مجالس متهالكة كثيرة شبيهة في عديد من الدول العربيّة. وكأنّ البنية الهرمة للنظام العربيّ الرسمي تنسحب إلى ثقافة تُخلّق، بدورها، أيقونات هرمة من جنسها.

وسط معمعةٍ كهذه، يجد كل كاتب جديد -يمكن له أن يشبّ عن الطوق- نفسه محاطاً بجدر محصّنة. خارج حدودها، يبدو رهانه متّصلاً بمواجهة الرغبة في الوصاية عليه. رغبةٌ يصاحبها مظاهر ماضويّة؛ تستدعي، في مخيالها الرحب، صورة الأتباع والمريدين الذي يقدّمون الطاعة والولاء لشيوخ مدارسهم الجاثمين كتنظيم مدجّج بالشروط والمشارط. حيث لا ولادة جديدة دون أن تنتزع اعترافا منهم. ولا شرعيّة، وبالتالي، لا وجود دون أن تصطبغ تلك الولادة بمساحيق الشيب وألوان الحكمة.

في حين تحضر من التاريخ المتفّق عليه نماذج مغايرة تماماً. منها معلّقة طرفة بن العبد: الشاعر الشاب الذي مات دون الثلاثين من العمر؛ كأنّه يقول: لا تهلكوا أسىً وتجلّدوا أيها الشعراء الجدد. ومنها إرادة الحياة التي يستجيب القدر فيها لولادة أبي القاسم الشابي: الشاعر العشرينيّ المحمول على تحولات شعبيّة كبرى.

لكن، ثمّة اليوم كُتّاب كلّما تحلّقوا حول دائرة الضوء؛ أعتموا. وقال لنا أبوهم (شيخ الشباب): اتركوهم، ليس بعد. ما زالوا تلاميذنا!


* شاعر من فلسطين 

المساهمون