"ماما... لا تتركيني"

"ماما... لا تتركيني"

19 مارس 2019
لحظات حب (فاليري شاريفولين/ Getty)
+ الخط -

زاوية اكتئاب. قال أحدهم مدعياً إن الرأي منقول عن كثيرين... عن جمهور. فليكن. زاوية اكتئاب أو تعبير عن نفس مكتئبة. ألا تقول أو تقولون إن معظم الناس يعانون نوعاً من الاكتئاب، وإنّ كثرة الهموم والضغوط لم تعد تُطاق؟ ثمّ تقولون إنّ الحياة بطولها وعرضها سخيفة وتافهة ولا تستأهل حزناً أو تعاسة وكلّ التعابير المشابهة الأخرى.

نحبّ الحياة. كان هذا شعاراً انتشر في البلاد خلال فترة ما. لا أظنّني سأنتقل من زاوية كئيبة إلى حبّ الحياة دفعة واحدة. الأمومة إذاً... الأمومة التي تعنيني كوني أماً أولاً وأخيراً، ولأن المجتمع وضعني في حالة دفاع مستمرّة عن أمومتي، تبريراً لكلّ ما أفعله خارج إطارها، من دون أن يعمل هو نفسه، وبأشخاصه الذين يكثرون من الكلام، أي كلام، على الوقوف إلى جانب الأمهات.

وأمومتي مهدّدة لأنّني تابع ولست صاحبة حق. ربّما أكون صاحبة بطن تنتفخ ليتكون فيها جنين، ثمّ صدر ينتفخ لإرضاع الطفل، لتبدأ هذه "السطوة"، وأساسها الطعام والمأوى، في التآكل شيئاً فشيئاً. فأنا كأم في مجتمعي أحلّ ثانياً، وقد أُقعدت في مقعد تابع.

كأمّ، عليّ أن أبرّر لنفسي، وطفلي، والمقربين والمجتمع، بأنّني لا أستطيع أن أكون موجودة في البيت حين يعود ظهراً من المدرسة. هذه مهنتي، وهذا عملي. بل هذا ما أتقنه، وما يجعلني ويجعله نعيش. وكأمّ، عليّ تحديد دوام عملي الذي يتغيّر شهرياً، بحسب نشاطات الصغير الخارجية، والمسرحيات التي يحب مشاهدتها، وأحياناً بحسب الطقس لضمان أن أكون قادرة على اصطحابه للعب في الحدائق التي يحب. وفي الكثير من الأحيان، أعمل من البيت، أو أصطحبه معي إلى العمل. ولا أتعب. من أجلِ رسمٍ خصّه لنا نمشي على الكورنيش البحري لبيروت، وقدّمه لي في عيد الأم، أحبّه أن يرافقني إلى ذلك المكان الذي نحبّه كلانا. نمشي ثم نركض. وأحياناً نمرّر الكرة بعضنا إلى بعض. ويحاول تعليمي بعض التقنيات الخاصة بلعب الكرة. ويسألني عن لاعبين ولعبة لا أحبّها. لكنني أجد نفسي أتابعها من أجله.

ومعاً، نجلس في السرير، وتحت اللحاف السميك، ونشاهد بعضاً من حلقات "زينة ونحول". وحين أهمّ بمغادرة البيت للذهاب إلى العمل، يقول مازحاً مقلّداً صوت نحّول وعبارته: "ماما، ماما، لا تتركيني". هذا هو الحبّ...




إلّا أن كل هذا الكمّ من المشاعر لا يرفع الأمّ إلى درجة مساوية للأب. ربّما تتفوّق في بضع أغنيات فقط، وفي المتاجر حين يحلّ عيدها، وعلى ألسنة بعض الشعراء... لا أكثر.

في الحقوق، هي تابع. وجب عليها الإصغاء والمسايرة. وكلُّ ما في داخلها لا يعني أحداً. وأكثر ما قد تسمعه... "كوني قوية". ويبقى الأمل في رسومات أخرى... معاً على الكورنيش البحري، علّك تتناول الذرة المشوية والكستناء التي أحبّ يوماً ما، وعلّك تسمح لي بأن أناديك "بطّتي"... مدى الحياة.

المساهمون