"لوفيغارو" تستعجل رحيل بوتفليقة: الجزائر معلّقة برجل مريض

"لوفيغارو" تستعجل رحيل بوتفليقة: الجزائر معلّقة برجل مريض

19 ديسمبر 2017
الرئيس الجزائري على كرسي متحرك(بيلال بن سالم/Getty)
+ الخط -
أفردت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، اليوم الثلاثاء، مانشيتها الرئيسي، للحديث عن وضع الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، معنونة "الشلّل يضرب الجزائر بسبب حكم بوتفليقة الذي لا نهاية له".

ورأت الصحيفة المعروفة بمواقفها القاسية من الجزائر، أنه "في مواجهة رئيس مريض يتشبث بالسلطة منذ أكثر من 18 عاماً، يُعبّر الشباب عن يأسه ويحاول أن يخترع لنفسه مستقبلاً". وعنونت افتتاحيتها بـ"في قلب ظلام الجزائر العاصمة"، إذ كتب أرنو دي لاغرانج أنه "كلما أوغل المرء في غابة المصطلحات كلما كان اللغز عقيماً، ثم كلما اقترب المرء من الشخص الغامض الذي هو هدفه النهائي، كلما تساءل عن حقيقة وجوده".

ولخّص دي لاغرانج الوضع في الجزائر، بالقول "غموض ومناورات القصر وإشاعات وصمت، هذه هي حال أكبر بلد في المغرب العربي". وأضاف "تبدو الجزائر في حالة انتظار، معلقة بحياة رجل مريض، ما الذي سيحدث حين تدق ساعة الوراثة؟... المتفائلون يرون أن لا شيء سيتغير. إذ ستواصل العائلة إدارة البلد، مُغلقَةً الحقل السياسي ومشترية للسلم الاجتماعي. ولكن آخرين يدقون ناقوس الخطر، ويُبرِزون أن الفراغ من حول الذات مريحٌ من أجل البقاء على عرش، ولكنه أيضاً، وفي غالب الأحيان، أفضلُ السُّبُل نحو الفوضى".


ويصل الكاتب في حديثه إلى أنه "إذا ترنحت الجزائر فإن تونس والمغرب سيترنحان. وهو ما سيُهدد منطقة البحر المتوسط، مع تهديد موجات هجرة واسعة"، ثم يستدرك بالقول "صحيح أن هذا البلد أفلت من انتفاضات الربيع العربي، لحسن الحظ، غير أن الأسوأ ليس مؤكداً. ولكن في غياب رؤية واضحة، يتعين علينا أن نتهيّأ لهذا الأسوأ".

بدوره، رأى مراسل الصحيفة الفرنسية الخاص للجزائر، تيري أوبرلي، في تحقيق طويل بعنوان: "الأفول الجزائري للرئيس بوتفليقة"، أنه "لم يحكم رئيسٌ الجزائرَ فترة أطول من بوتفليقة، فقد مات الرئيس السابق هواري بومدين بعد 13 عاماً من الحكم، في ظروف غامضة. وها هو بوتفليقة يحكم شعباً، وهو في آن واحد مضطرب وخاضع منذ 18 عاماً، في بلد أصبحت فيه السلطة غير شفافة والرئيس أصبح شبحاً".

وتابع: "هذا هو الرئيس الذي هجر قصر المرادية، وأصبح مروره بالرئاسة يعد على أصابع اليد منذ بداية السنة. والنتيجة هي كما يعترف بها وزير سابق: المرض؛ بالتأكيد، نتائج على اشتغال الدولة التي هي مثله، نصف مشلولة. ولا ينعقد المجلس الحكومي إلا للمحافظة على الشكل والموافقة، على قانون المالية على سبيل المثال، ولكن المؤسسات مجمدة والقرارات تتخذ في مكان آخر".

وبحسب أوبرلي، فإنّ "الرئيس بوتفليقة يقضي أيامه في مكان آخر، على كرسيه المتحرك، إذن، في زرالدة، محاطاً بأطبائه الفرنسيين والصينيين، بينما أخوه الأصغر سعيد، أكبر الأوفياء، يدير شؤون الدولة في الظل".

ورأى الصحافي الفرنسي أنه "حين يكون الأمر ممكناً، يستقبل بوتفليقة ضيوفه الدوليين ويتحدث إليهم بصوت منخفض مبحوح، وهذه الزيارات أصبحت نادرة، كاشفاً "كيف أن الضيوف، بعد خروجهم من لقاء الرئيس، يكشفون عن كنوز من الإبداع اللفظي من أجل العثور على كلمات مناسبة". وهذا ما عبّر عنه وزير الخارحية الفرنسي جان إيف لودريان، الذي رافق الرئيس إيمانويل ماكرون في زيارته للجزائر في 6 ديسمبر/كانون الأول الجاري، حين قال: "من الناحية الذهنية، هو في كامل صحته"، قبل أن يضيف: "إنه متعب جداً. حسناً، يمكن أن يحدث هذا في سن معينة".


إذن، يخلص الكاتب إلى أن "سجين زرالدة يعيش محاطاً بعائلته. من حوله زهرة، وهي قابلة سابقة، واثنان من إخوانه الأشقاء، عبدالرحيم الذي يدعى بناصر، وهو موظف سام، وسعيد الأخ الأصغر الذي يظهر لأخيه الرئيس وفاء مطلقاً".

وترى الصحيفة أن مرض الرئيس كان سيساعد سعيد على الانتقال من دور الوسيط إلى دور الحَكَم، و"لكن هامش المناورة لديه لا يزال مجهولاً"؛ فاحتشامه الطبيعي ورفضه الحديث إلى وسائل الإعلام يذكي الإشاعات. ويرى ألد منتقديه أنه يمثل نواةً لشبكة فساد واسعة، فيما يرى خصومه أن له طموحاً رئاسياً.

وفي انتظار الحسم في تسمية الرئيس المقبل بتوافق بين الجيش وحكم الأقلية، تتساءل الصحيفة الفرنسية اليمينية: "من يحكم؟"، ثم تجيب: "إنها جمهورية زرالدة، بالتأكيد، حيث يتواجد جنباً إلى جنب رئيس الحكومة، أحمد أويحيى، ورئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح. وعلى الرغم من أن الرئيس بوتفليقة قطع رؤوساً في إدارة الاستخبارات والأمن، إلا أن دورها لا يزال كبيراً في إدارة البلاد".

لا خطورة من "تمرد"

وترصد الصحيفة الفرنسية الأوضاع الاقتصادية السيئة في الجزائر، حيث انهيار العملة الوطنية وتزايد التضخم. وكذلك القدرة الشرائية في وضعية سيئة، مستدركةً أنه رغم ذلك فإن "المواطنين لا يخاطرون بالتمرد، كما أن النظام لا يتوقف عن تذكير مواطنيه بالوضع في ليبيا وسورية واليمن. وأيضاً بالذكرى العشرين لمجزرة بنطلحة، التي قضى فيها أكثر من 400 مدني على أيدي المجموعة الإسلامية المسلحة". وهو ما يدفع المواطنين، كما كتب الصحافي الفرنسي، إلى أن "يفضلوا تناول الخبز والبصل على أن ينجروا إلى مغامرة".

أما عن دور المعارضة، بحسب "لوفيغارو"، فإن "خلافة بوتفليقة ستكون مغلقة على المعارضة"، وأن "الوضع بين القيادة والشعب سيئ وبارد، والخطيب المفوه بوتفليقة الذي نسج رباطاً وحيداً مع شعبه عن طريق الكلمة، يرى الآن علاقته مع شعبه وقد قُطعت. فسجين زرالدة لم يتحدث مباشرة إلى الشعب الجزائري منذ خمس سنوات".

وتتابع أن الشعب الجزائري لا يجد وسيلة للتعبير عن مواقفه والتنفيس عن همومه، خلال الحملة الانتخابية، سوى عن طريق فيديوهات ساخرة في اليوتيوب، وقّعها شباب ثلاثينيون، من بينهم أنيس تينا، كمال لبيض أو شمس الدين العمراني وغيرها، والتي انتشرت كالنار في الهشيم (ملايين المشاهدات)، وفيها تعبير عن عقلية اختراق وتجاوز للقوانين لا يعرفها سوى الجزائريين، ويتعرض فيها المسؤولون للانتقاد. ولعلّ مثال شمس الدين العمراني وهو يخاطب الجزائر، قائلاً: "لم أقل هذا لأني ضدك، لقد فهمتني جيداً، أنا أحبكِ ولكني أتحدث عنهم"، خير دليل.

وترى الصحيفة أن السلطات الرسمية عبّرت عن القلق من هذا الشكل من التعبير الفني والساخر، فرأت فيه: "حملة عنيفة من المناورات السياسية ومن تحقير القيم الدينية". ولكن المواطنين، بحسب "لوفيغارو"، لهم رأي آخر، ناقلةً عن مواطن عادي قوله: "إنه (أي العمراني) يقول ما نفكر فيه. إنه رجل حقيقي. لا نملك شيئاً. لا شغل ونحن نعرف أن السياسة لا تخدم سوى من يمارسها".

جيل بأكمله عاطل من الشغل، تكتب عنه "لوفيغارو" قائلة: "في الماضي، كان شباب باب الواد من أحياء العاصمة يصعدون الجبال مع الإسلاميين. الآن عيونهم مسلطة على الهجرة، ولكن لحسن الحظ، ليس كل الناس متشائمين". وهنا تتحدث الصحيفة عن مبادرات فردية لشباب أسسوا "شركات ناشئة"، هذه الجملة التي دخلت منذ فترة قصيرة في اللغة الجزائرية، والمجال يتوسع من مصنع للبطاريات الإلكترونية إلى السياحة المحلية الإلكترونية إلى مرافقات ترفيهية بفضل انبثاق طبقة متوسطة، في الفترة التي كانت فيها أسعار النفط مرتفعة.

وأخيراً، ترى الصحيفة بعض الأمل والتنفيس في انتشار الكتب بالآلاف، عبر افتتاح حدائق رقمية، لافتةً إلى "انبثاق جيل جديد من الكتّاب يعيشون على هامش الثقافة الرسمية". لكن الصحيفة المعروفة بمواقفها المتطرفة من "الإسلام والمهاجرين"، اختارت أمثلة قريبة منها، فتتحدث عن "المنشق القبائلي بوعلام صنصل"، وهي التي استخدمت مصلح "منشق"، وركزت على الأصول القبائلية للروائي.

كذلك، تحدثت عن الكاتب كمال داود "وهو ليس فقط روائياً معروفاً في فرنسا، بل باعت روايته ميرسو/تحقيق مضاد، في الجزائر أكثر من 15 ألف نسخة".

وينتهي المقال بتبني دعوة وجهها الوزير الجزائري السابق والعجوز، علي يحيى عبد النور، لبوتفليقة بـ"التنحي" و"تخليص الجزائريين من الوصاية"، ولكن الصحيفة ترد، ساخرة: "الرئيس لا يتنازل عن السلطة أبداً".​

المساهمون