"لمن لا تقرع الأجراس"...تمييز بدلهي يحرم المسلمين السكن اللائق

"لمن لا تقرع الأجراس"... تمييز ضد المسلمين في دلهي يحرمهم السكن اللائق

14 فبراير 2018
تردي الأوضاع البيئية والصحية في أحياء دلهي (Getty)
+ الخط -

يتذكر العشريني الهندي مشتاق أحمد معاناته كلما شاهد طلاب حيه الفقير في مدينة دلهي، وهم يغادرون إلى مدارسهم وجامعاتهم خارج أسوار أحياء المدينة القديمة المفتقرة إلى الخدمات والبنى التحتية، قائلا بينما يتأمل، بأسف، الممرات الضيقة المشبعة بمياه الصرف الصحي والتي تزكم روائحها الأنوف: "جيلي والأجيال المقبلة يرفضون العزلة والتهميش، والانكفاء داخل مجتمعاتنا الضيقة".

ويتركز المسلمون في شرق وجنوب دلهي القديمة، لكن مناطق كثافتهم السكانية غير مخططة وتفتقد للخدمات الاساسية والبنى التحتية، مثل إمدادات المياه والكهرباء أو المدارس والعيادات الصحية والطرقات الواسعة، وفقاً لما وثقته دراسة "شبكة المجتمع المدني"CIVIL SOCIETY NETWORK الصادرة بالتعاون مع معهد الدراسات الموضوعية INSTITUTE OF OBJECTIVE STUDIES الهنديين في عام 2015، والتي كشفت أن 66.30% من بين 2.16 مليون مسلم من بين إجمالي سكان المدينة البالغ 16.75 مليون نسمة بحسب تعداد عام 2011 السكاني، يعيشون في 3 أحياء واقعة في مناطق غير مخططة، وغير معترف بها كمناطق سكنية غير أنهم يختارون العيش فيها، نتيجة للتمييز الذي يتعرضون له في سوق الإيجار بالمدينة.




صعوبة استئجار منزل

يعاني مسلمو دلهي من صعوبة استئجار منازل في الأماكن المخططة بالمدينة وضواحيها، ما أجبرهم على الحياة في أحياء عشوائية، وفقا لدراسة صدرت عن المعهد العالمي لبحوث اقتصاديات التنمية التابع لجامعة الأمم المتحدة في هلسنكي في مايو/آذار 2016، بعنوان "For whom does the phone (not) ring? - Discrimination in the rental housing market in Delhi, India.

وأجريت الدراسة الاستقصائية على البوابات الإلكترونية لتأجير المنازل، وتوصل المعهد إلى أن مقدم الطلب المسلم يواجه مشكلات مضاعفة في الحصول على الرد من أصحاب الممتلكات العقارية مرتين، مقارنة بذوي الطبقة العليا من الهندوس، وهو ما تعتبره الدراسة أحد أسباب انكماش المسلمين في أحيائهم الخاصة.


الافتقار للخدمات الأساسية والبنى التحتية

تنص الفقرة 15 من الباب الثالث للحقوق الأساسية في الدستور الهندي على حظر التمييز على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو الجنس أو مكان الولادة، وأنه يجب على الدولة عدم التمييز ضد أي مواطن على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو الجنس أو مكان الميلاد، وعدم جواز إخضاع أي مواطن على أساس الدين أو العرق أو الطائفة أو الجنس أو مكان الميلاد لأية إعاقة أو منع أو مسؤولية أو قيد أو شرط بشأن السماح بدخول المحلات التجارية والمطاعم العامة والفنادق وأماكن الترفيه العامة؛ أو استخدام الآبار والخزانات والطرق وأماكن الترفيه والمنتجعات العامة الممولة من أموال الدولة.

وعلى الرغم من المادة السابقة إلا أن جميع الأشخاص الذين تمت مقابلتهم في دراسة "معهد البحوث الموضوعية" اشتكوا من عدم وجود مدارس حكومية في أحيائهم، كما ذكر العديد من الأباء أنهم يواجهون التمييز من قبل المعلمين، وإدارات المدارس عندما يحاولون إلحاق اطفالهم في المدارس الحكومية والخاصة، كما يقول الدكتور طارق أشرف رئيس شبكة المجتمع المدني والذي نفذت مؤسسته هذه الدراسة الهادفة إلى لفت نظر الحكومة الهندية والبلديات حتى تعتني بالأحياء المسلمة.

ويتفق نويد حامد رئيس المجلس الاستشاري لمسلمي الهند All India Muslim Majlis-e-Mushawarat (يضم 18 منظمة هندية مسلمة) مع ما توصلت إليه الدراسة قائلا: "للأسف الأحياء التي يعيش فيها المسلمون تفتقر إلى المرافق، والخدمات الأساسية مثل المدارس، ومرافق إمدادات المياه الحكومية، وشبكة الصرف الصحي كما أن خطوط الحافلات غير كافية"، الأمر الذي توضح تفاصيله دراسة معهد البحوث الموضوعية وشبكة المجتمع المدني في أحياء "أوكهلا" و"جامعة نغر" الواقعة جنوب دلهي بعنوان "وصول الخدمات الأساسية في الأحياء المسلمة في دلهي" والتي أشارت إلى أن 44% من سكان الحيين لا تصلهم إمدادات المياه، الأمر الذي أدى إلى تفاقم أزمة المياه واضطرار السكان لشراء مياه الشرب، كما أن 88% من المشاركين في هذه الدراسة غير راضين عن نظام الصرف الصحي، كما أن 83% من سكان هذه الأحياء غير راضين عن نظام النظافة فيها، و48% من المشاركين في الاستطلاع يقولون إن خطوط الحافلات ليست كافية لتلبية متطلباتهم اليومية، وهو ما يعاني منه عبدالواحد حامد الذي قدم من إقليم بيهار في شرق الهند، ليستقر في دلهي بعد أن وجد عملا، لكنه عانى من القذارة الشديدة بسبب غياب نظام صرف صحي ما يؤدي إلى انتشار الأوبئة، في ظل غياب الخدمات الصحية الحكومية، الأمر الذي جعله يرفض إحضار أسرته لتقطن معه ما جعله يعاني من الغربة في وطنه، قائلا "لا يمكن لي أن أخاطر بوضع أسرتي صحيا".


معاناة مضاعفة

"تدهورت الأوضاع المعيشية لسكان دلهي المسلمين، أكثر منذ صعود القوميين إلى بلديات دلهي في عام 2014" بحسب الدكتور طارق أشرف، مشيرا إلى أن معظم هذه الأحياء المسلمة واقعة على الأراضي التي لا تعتبرها الحكومة إسكانية.

ويحمل حامد نويد الحكومة الهندية مسؤولية انعزال المسلمين وانكماشهم في أحيائهم الخاصة بكل أنحاء البلاد، ومنها دلهي، على الرغم من أنهم يدفعون الضرائب للحكومة كما يدفعها السكان الذين ينتمون إلى ديانات أخرى بحسب رئيس المجلس الاستشاري لمسلمي الهند، والذي أكمل متابعا أن المسلمين يتمتعون بالمساواة في حق التصويت بالانتخابات فقط، وبعد إجراء الانتخابات لا تعمل الحكومة على توفير الخدمات الأساسية لهم، لكن الناطق الرسمي لبلدية جنوب دلهي التي يسيطر عليها حزب بهاراتيا جاناتا القومي موكيش كومار ينفي اتهامات التمييز، قائلا لـ"العربي الجديد": "نحن نعمل حسب نظام خاص، ورأينا منذ زمن أن عدد الأحياء العشوائية تزداد في كل مكان، حتى على حساب الأراضي الزراعية، وهذا خارج خطة الحكومة لتنمية المدينة"، وتابع متسائلا "كيف يمكن لنا أن نمد كل خدمات البلدية في كل هذه الأحياء؟ البلدية تحتاج إلى إطار قانوني لتمديد نطاق خدماتها في أحياء كل مناطق دلهي، وبدون تغيير القوانين والإطارات لتوفير الخدمات لا يمكن لنا فعل شيء"، لكن طارق أشرف يرد على ذلك قائلا: "رصدنا أحياءً عشوائية مقامة على أراض غير مخصصة للإسكان، وتضم هنوداً يعتنقون أديانا أخرى، ولا تعتبرها الحكومة واقعة على الأراضي الإسكانية، وتقوم البلدية بأعمال التطوير في 214 حياً لا يوجد من بينها حياً واحداً من تلك التي يعاني أهلها التمييز والعزلة".