"لا فائدة" من الشهادات في أفغانستان

13 سبتمبر 2015
يبدو يائساً (شان ماراج/ فرانس برس)
+ الخط -

مع انسحاب القوات الأميركية والأجنبية من أفغانستان، غادرت البلاد أيضاً كثير من المؤسسات الأجنبية. عدد من المستثمرين الأجانب فضلوا سحب أموالهم من البلاد قبيل انسحاب هذه القوات خوفاً من عودة حركة "طالبان" إلى الحكم، أو اندلاع حرب شاملة قد تؤدي إلى ضياع أموالهم. وتوجه عدد من التجار المحليين إلى الخارج، وخصوصاً إلى الدول المجاورة على غرار باكستان وإيران والصين والإمارات العربية.

كل هذه الأسباب، عدا عن الوضع الأمني المتأزم، أدت إلى تفشي البطالة في أفغانستان. وبات عدد كبير من الخريجين من الجامعات الأفغانية من دون عمل بعدما أوقفت مئات المؤسسات الأجنبية مشاريعها إثر إنسحاب القوات الأجنبية. وكان الموظفون في تلك المؤسسات يتقاضون رواتب عالية، وصار صعباً عليهم القبول بالرواتب المعروضة في المؤسسات المحلية.

اختار معظم هؤلاء بدء أعمال تجارية وإنشاء شركات خاصة، وإن كان الخيار صعباً بسبب مغادرة المستثمرين. عمل عبد الله، وهو ثلاثيني من إقليم ننجرهار (شرق البلاد)، في إحدى هذه المؤسسات منذ عام 2010 وحتى منتصف العام الجاري. وبسبب النقص في الميزانية، أغلقت أبوابها في شهر يونيو/حزيران الماضي. حاول عبد الله، المتخرج من كلية الزراعة في جامعة جلال أباد، إيجاد عمل بديل، إلا أن كل محاولاته باءت بالفشل.

أخيراً، حاول إطلاق مشروع تجاري مع ابن عمه، لكنه لم يتمكن بسبب عدم توفر المال اللازم. قرر بعدها فتح دكان في أحد أسواق المدينة مع والده، الذي كان يعمل حتى نهاية العام الماضي مدرساً في ثانوية حكومية في مديرية شنواري، وقد تركها بسبب التهديدات الأمنية. يقول لـ "العربي الجديد": "هذه أيام صعبة. تعبت كثيراً أثناء الدراسة. لكنني أكملتها على الرغم من المعوقات المعيشية الحادة. ثم بدأت أعمل لسنوات في مؤسسة تدريب المعلمين. وبعد إغلاقها، ها أنا أعمل اليوم في دكان على غرار كثيرين، وكأنه لا قيمة للتعليم والدراسة".

أما والده حشمت الله (66 عاماً)، فيطالب الحكومة الاعتناء بالمتخرجين من الجامعات، "إذ أن ارتفاع نسبة البطالة قد يجبرهم على ترك المدرسة والجامعة، كونه لا فائدة منها".

لا يعاني موظفو المؤسسات الأجنبية وحدهم من البطالة، بل إن عدداً كبيراً من الشباب لم يتمكنوا من إيجاد عمل. تقول بعض الإحصائيات إن أكثر من 80 في المائة من الشباب الأفغان الذين يختارون الذهاب إلى الدول الأوروبية عاطلون عن العمل.

ويرى بعض الشباب الأفغان أن الهجرة إلى الدول الأوروبية قد تكون خياراً وحيداً، في وقت يتوجه آخرون إلى الدول المجاورة وعلى رأسها إيران وباكستان، علماً أن هاتين الدولتين تستعدان لترحيل اللاجئين الأفغان. وبطبيعة الحال، لن يستقبلا لاجئين جدداً.

اقرأ أيضاً: نزوح باكستانيّ يتبعه لجوء إلى أفغانستان

قرر محمد طاهر الذهاب إلى أوروبا عن طريق إيران وتركيا. دخل إلى إيران من إقليم بلوشستان، ليقع في قبضة عصابة إيرانية اختطفته وخمسة من رفاقه كانوا يحلمون جميعاً بالذهاب إلى أوروبا للبحث عن لقمة العيش. اتصلت العصابة بعائلة كل شاب وطلبت الحصول على أربعة آلاف دولار أميركي في مقابل الإفراج عن كل رهينة. لم تلب الأسر طلبات العصابة على الفور، الأمر الذي أغضبها، ليبدأوا بتعذيبهم. في النهاية، اضطروا إلى دفع المبلغ المطلوب، قبل الإفراج عنهم.

عاد طاهر إلى بلاده، وكان في حالة صحة مزرية. يقول الأطباء إنه بات يعاني من مشاكل نفسية بسبب التعذيب الذي تعرّض له، ويحتاج اليوم إلى عناية وعلاج قد يستغرقا أشهراً. طاهر ليس وحيداً، علماً أن عشرات الشباب قضوا في طريقهم إلى أوروبا. لكن في ظل زيادة نسبة البطالة في أفغانستان، لا يجدون خياراً آخر إلا المخاطرة بأنفسهم.

إلى ذلك، وعدت الحكومة، التي مضى على تشكيلها نحو عام، بتأمين فرص عمل للشباب من خلال وضع استراتيجية واضحة. لكن حتى الآن، يبدو أنه لا جدوى من كل تلك الوعود. تقول دراسة حديثة إن معدل البطالة قد وصل إلى نحو 60 في المائة، وهذا الرقم مرشح للازدياد في ظل استمرار الحرب.

ويخشى البعض أن تدفع البطالة الشباب إلى الخروج إلى الشارع، ما قد يخلق تحدياً جديداً في وجه الحكومة التي تواجه أزمة أمنية واقتصادية خانقة. وفي الآونة الأخيرة، نظم عشرات الشباب العاطلين عن العمل تظاهرة ضد البطالة المتفشية في البلاد، وأحرقوا شهاداتهم الجامعية التي قالوا إنه "لا فائدة منها".

اقرأ أيضاً: عبد الواحد يرفض العودة إلى أفغانستان