"كانّ" والبندقية: كايت بلانشيت وسبايك لي... لماذا؟

"كانّ" والبندقية: كايت بلانشيت وسبايك لي... لماذا؟

30 يناير 2020
ترأست كايت بلانشيت لجنة التحكيم في كانّ (Getty)
+ الخط -
في يومين اثنين، أعلن مهرجانا "كانّ" وفينيسيا اسمي رئيسي لجنتي التحكيم الخاصتين بمسابقتيهما الرسميتين. ذلك أنّ إدارة مهرجان "كانّ" اختارت، في 14 يناير/ كانون الثاني 2020، السينمائي الأميركي سبايك لي (1957) رئيساً للّجنة المذكورة، في الدورة الـ 73 (12 ـ 23 مايو/ أيار 2020)؛ وبعد يومين، أعلنت إدارة "مهرجان فينيسيا السينمائي الدولي" اختيارها الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت (1969) رئيسة للجنة تحكيم مسابقتها الرسمية، في الدورة الـ 77 (2 – 12 سبتمبر/ أيلول 2020).
خبران عاديان، يُشبهان تماماً تلك الأخبار التي يتمّ تداولها منذ مطلع كلّ عام، بخصوص المهرجانات والاحتفالات السينمائية في العالم. لكن اللافت للانتباه أنّ اختيار الأميركي لي والأسترالية بلانشيت لهذين المنصبين تمّ في مرحلة تشهد ارتباكات وتبدّلات مختلفة في العالم، بعد نحو ثلاثة أعوام على "فضيحة وينستين"، المندلعة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2017، والمرتكزة على كشف تحرّشات واعتداءات جنسية للمنتج المستقلّ الأميركي هارفي وينستين (1952) بحقّ ممثلات أميركيات ونساء أوروبيات.

الفضيحة هذه تحرّض كثيرين، بينهم مديرو مهرجانات دولية مختلفة، على إيجاد معادلات جديدة في اختيار الأفلام ولجان التحكيم، رؤساء وأعضاء؛ وعلى منح المرأة، مخرجة وممثلة، حيّزاً أكبر في برمجة الأفلام وتشكيل لجان التحكيم. وإذْ يؤكّد مديرون عديدون على الميل السينمائي في آلية الاختيار، إلّا أنّ بعضهم الغالب يقع في فخّ المساواة، انطلاقاً من وعي بالجندرة والنسوية، التي (المساواة) لن تكون دائماً منشغلة بالهمّ السينمائي البحت.

في المقابل، دفعت "فضيحة وينستين" إلى اهتمامٍ أكبر بمسألة مُثيرة لسجالات ونقاشات عديدة، مرتبطة بالغبن اللاحق بالنساء في صناعة السينما في هوليوود وأوروبا، وبسطوةٍ عنصرية ضد السود في مؤسّسات سينمائية مختلفة، قبل أنْ تبدأ التغييرات الفعلية، إنْ يكن ذلك داخل "أكاديمية فنون الصورة المتحرّكة وعلومها"، مانحة جوائز "أوسكار" السنوية، أو في أوساط سينمائية عديدة. ورغم أنّ هذا كلّه يبدو كأنّه يخطو خطوات بطيئة، إلّا أنّ البعض يرى في هذه الخطوات نفسها تقدّماً مطلوباً، شرط عدم الانجراف وراء الشعارات والعناوين، لأنّ الأهمّ كامنٌ في تغيير جذري في المفاهيم والاشتغالات، لا في التفكير والخطاب.

ليس سهلاً التغاضي عمّا يكمن في خلفية الاختيار. فكايت بلانشيت ترأّست لجنة تحكيم المسابقة الرسمية في الدورة الـ 71 (8 ـ 19 مايو/ أيار 2018) لمهرجان "كانّ"، التي (اللجنة) منحت سبايك لي "الجائزة الكبرى" عن فيلمه المناهض للعنصرية والمندّد بها، Blackkklansman، المبني على قصّة حقيقية جرت أحداثها عام 1978، في المدينة الأميركية "كولورادو سبرينغ"، عندما نجح شرطيّ أسود، يُدعى رون سْتالّوورث، في الاحتيال على الجماعة العنصرية البيضاء "كو كلوكس كلان"، مخترقاً إياها عبر اتصالات هاتفية، بمساعدة زميله الأبيض اليهوديّ (غير الملتزم دينياً)، فْليب زيمرمان، المضطرّ إلى المشاركة في اجتماعات سرّية للجماعة، قبل الانقضاض عليها.

واللجنة نفسها، برئاسة بلانشيت نفسها، منحت "كفرناحوم" للّبنانية نادين لبكي جائزة لجنة التحكيم، مع أنّه الأقلّ أهمية في لائحة تضمّ أفلاماً أجمل وأعمق وأقدر على إثارة متعٍ ونقاشات جدّية في السينما والحياة والعلاقات والصورة والانفعالات، بفضل أفلام مختلفة، كـ Leto للروسي كيريل سيريبرنّيكوف، وCold War للبولوني بافل بافليكوفسكي (جائزة الإخراج)، و"كتاب الصورة" للفرنسي السويسري جان ـ لوك غودار (سعفة ذهبية خاصة)، وLazzaro Felice للإيطالية أليس روهرواشر (جائزة السيناريو)، وغيرها الكثير.
منح لبكي، عن فيلمٍ هو الأسوأ درامياً لها، رغم حرفيته الفنية والتقنية العادية، متأتٍ من رغبةٍ في تسليط الضوء على مخرجة من الشرق الأوسط، وعلى موضوعٍ يدّعي قراءة سينمائية (مضعضعة وسطحية ومتعالية) لواقعٍ اجتماعي لبناني مرتبك ومنهار.
خارج هذا السجال غير المنتهي، تختار إدارة "لا موسترا" الإيطالية كايت بلانشيت، كمحاولة لاستكمال خطابٍ يريده ألبرتو بربيرا. ورغم تشديده على الهمّ السينمائي، إلّا أنّ انصياعه لتوازنٍ في خيارات الأفلام ولجان التحكيم، في فترات سابقة، كفيلٌ بتأكيد الهوس الأوروبي بالنسوية ومفرداتها وتفاصيلها. في مقابل هذا، فإنّ بلانشيت هي المرأة السابعة التي يتمّ اختيارها لهذا المنصب، بعد الأرجنتينية لوكريسيا مارتل العام الفائت، علماً أنّ الفرنسية سابين آزِما هي الأولى التي تولّت رئاسة لجنة التحكيم، عام 1987، في حين أن مواطنتها كاترين دونوف اختيرت في دورة عام 2006، والأميركية آنيت بينينغ في دورة عام 2017.
إلى ذلك، فإنّ سبايك لي يتمتّع بصيتٍ مناهضٍ لكلّ أشكال العنصرية ضد السود، إلى درجة يتجاوز معها، أحياناً، خطوطاً مختلفة، بمهاجمته من يراهم غير قادرين أو غير متمكّنين من تحقيق أفلامٍ تتلاءم وتوجّهاته هو، مع أنّ بعض هؤلاء، ومنهم بيضٌ، متورّط في التزامٍ ثقافي وإنساني وأخلاقي في مسألة المواجهة السينمائية للعنصرية نفسها.
أياً يكن، فإنّ العالم برمّته مرتبكٌ إزاء تبدّلات حادّة، تحصل هنا وهناك. والمهرجانات السينمائية حاضرةٌ في هذا، وإنْ يحاول بعض مديريها تغليب الهاجس السينمائي، أو إيلاء الهمّين النسائي والعنصريّ أولوية في خياراته.

دلالات

المساهمون