"في أعالي البحار" لسلافومير مروجيك.. قراءات مسرحية في كتارا

"في أعالي البحار" لسلافومير مروجيك.. قراءات مسرحية في كتارا

23 يوليو 2020
سلافومير مروجيك
+ الخط -

في تجربة افتراضية لكسر غياب المسرح في الدوحة نتيجة حالة الإغلاق الجارية بسبب كوفيد-19، يقيم "مسرح كتارا" عند الثانية من بعد ظهر الغد، قراءات افتراضية لنص مسرحية "في أعالي البحار" للكاتب البولندي سلافومير مروجيك (1930-2013). 

المسرحية هي دراما قصيرة من مشهد واحد، كُتبت عام 1960 وتعدّ واحدة من أبرز أعمال مروجيك المبنية على مسرح العبث مثل معظم أعماله، ويطرح فييها قضايا مهمة جداً تتعلّق بالحكم والأنظمة والسياسة. ولكن الأهم من ذلك، كلّه حالة الإنسان المعاصر.

تدور أحداث الدراما بأكملها في البحر، حيث العنصر الرئيسي في المشهد هو العوم، أما الشخصيات الرئيسية فهي الناجون على طوافة بعد غرق سفينتهم. لا يعطي المؤلف أي معلومات محدّدة حول وقت ومكان العمل، والأكثر من ذلك، أن الأحداث تكون أحياناً بعيدة كلّ البعد عن الواقعية.

تكشف عن رؤية متشائمة جداً لوجه الإنسانية والحضارة الحديثة

بطريقة هزلية ومحاكاة ساخرة عبثية، تكشف عن رؤية متشائمة جداً لوجه الإنسانية والحضارة الحديثة. وفي عرض فيه القليل من الأحداث، تغطى الكثير من المحادثات والتفسيرات عبر محاورات تقوم على الحجج والإقناع، ما يجعلها مناسبة للتقديم على شكل قراءات افتراضية، فمعظم الوقت الشخصيات في حالة سكون عن الحركة.

الشخصيات الثلاث لرجال يتضورون جوعاً في طوف النجاة، ويحاولون تحديد أي منهم يصلح عشاء للاثنين الآخرين، أحدهم نحيل والثاني متوسط والثالث سمين، ويظهرون كما يصفهم المؤلف ببدلات سوداء وقمصان بيضاء وربطات عنق، وهؤلاء الشديدي الأناقة سوف يتفاوضون بعد قليل على أكل لحم بعضهم. 

تبدأ المسرحية بالرجل السمين يشكو من الجوع ويقترح أن يأكل شخصاً، لكن هذا الموقف السخيف يبدو متجذراً في حقيقة أن الناجين يجب أن يقرروا من هو الذي سيكون طعام البقية إن كان لأحد أن ينجو من هذه الطوافة. 

يبدأ السمين بإقناع الاثنين بضرورة التمتع بروح التضحية وأن يتطوع واحد منهم من تلقاء نفسه، وفي غياب المتطوعين قرروا حل المشكلة عن طريق الاختيار العشوائي (مرة أخرى كان هذا اقتراح السمين منهم)، ويدرك قارئ المسرحية أن الرجل السمين بين الناجين الثلاثة يستبعد تماماً أن من المحتمل أن يكون هو طعام الناجين الآخرين، ويتبين من خلال طريقة الحوار التي أبدع فيها مروجيك أننا أمام طاغية ومستبد. 

ثلاث شخصيات تتضور جوعًا في طوف النجاة وتحاول تحديد أي منها يصلح عشاء

وسرعان ما يتحول الطاغية إلى فكرة الديمقراطية فيقترح إجراء انتخابات واختيار من سياخذ القرار، وسرعان ما توحد المصالح البدين مع المتوسط ويتفقان على أكل النحيل بينهم، وفي هذا المقطع من المشهد يقدم الكاتب نقداً قاسياً للديمقراطية ويكشف الجانب الزائف منها ومخاطر هذا النظام. 

يبدأ النحيل بمناشدة مشاعر رفيقيه ويذكرهما بزوجته وأولاده، فيجيبه الاثنان "عندما يتعلق الأمر بالصالح العام، لا تلعب المشاعر أي دور. يمكن للأطفال أن يتأرجحوا وحدهم". ويبدو النحيل مهزوماً، أمام الاثنين الآخرين الأكثر ذكاءً ودهاءً، واللذين يقولان أشياء ليست صحيحة دائمًا ، ولكنها تبدو مفيدة  بحيث يبدو خطاب البدين مكوناً من ثلاثة عناصر رئيسية: أولاً ، يعتقد الناخبون أنهم رجال أحرار والاختيار لهم، وثانياً، يضغط على الجمهور بأنه لا يستوعب لأنه جائع؛ ثالثاً، يعطي الوعود لمن يتضامن معه. 

وحين فشلت جميع نماذج السلطة التي قدمها البدين وطرق التمثيل (الاختيار، الديمقراطية)، فإن الحل الأخير الممكن هو تشجيع (إجبار) شخص ما على تقديم تضحية طوعية.

مسرحية "في أعالي البحار" دراما تتأمل الأخلاق الإنسانية في الأنظمة السياسية التي تتلاعب بالأضعف، ويصوغ ذلك بحوارات بارعة ومؤامرة غير متوقعة، أما التقلبات في المواقف الدرامية فليست مرهقة ولكنها تحكي عن مشاكل بالغة الأهمية، وتنظر بعمق إلى مأساة الإنسان الحديث والحضارة التي يعيش فيها.

 

المساهمون