"فيسبوك" ساحة صراع سياسي في تونس

مبدأ المساواة التامة بين الرجل والمرأة... "فيسبوك" ساحة صراع سياسي في تونس

06 سبتمبر 2018
من تظاهرة يوم المرأة الوطني (شادلي بن ابراهيم/NurPhoto)
+ الخط -
يُعتبر "فيسبوك" عاملاً مؤثراً في الحياة السياسيّة في تونس وفي صناعة رأي عام للأحزاب السياسيّة، خصوصاً أنّ التونسيين يتعاملون مع "فيسبوك" باعتباره الميديا الأولى لديهم، وفقاً لما أثبته عدد المكاتب المختصّة بدراسة حضور التكنولوجيات الحديثة في تونس. فالتونسيّون يملكون أكثر من ستّة ملايين حسابٍ على موقع "فيسبوك" وحده، أيّ أنّ أكثر من نصف التونسيين لهم حسابات شخصيّة أو مؤسساتيّة على هذة المنصّة، على عكس بقية منصّات التواصل الاجتماعي، مثل "تويتر" الذي لا يلقى قبولاً كبيراً لدى التونسيين.

وتحوّل "فيسبوك" في تونس إلى مجالٍ لاستقطاب رأي عام لمناصرة الأحزاب السياسيّة في معاركهم اليوميّة، وهو ما بدا جلياً أخيراً عند صدور تقرير "لجنة المساواة والحريّات الفرديّة"، والذي أقرّ مبدأ المساواة التامّة بين الرجل والمرأة، خصوصاً في الميراث، الأمر الذي أثار جدلاً في "فيسبوك" تحوّل إلى منصّة للصراعات السياسيّة من أجل دفاع كل طرف عن فكرته ومحاولة إقناع الآخرين بها.

والأسبوع الماضي، أثار منشورٌ لنقيب الصحافيين التونسيين، ناجي البغوري، غضب الكثير من المساندين لحزب "حركة النهضة" والرافضين لمشروع المساواة التامة بين المرأة والرجل، إذ وصف مجلس شورى "حركة النهضة" في قراءته النصوص الدينية بأنه "لا يختلف عن مجلس شورى داعش"، بعد صدور بيان المجلس الذي رفض المبدأ.
ويتحوّل الدفاع والإقناع في بعض الأحيان إلى ملاسنات وسباب وتبادل للعنف اللفظي، إذ يلجأ كل طرف إلى محاولة تهميش خصمه ونعته بأبشع النعوت.

ويرى الصحافي والباحث في علوم الإعلام والاتّصال والمختصّ بدراسات الرأي العام، معز زيود، هذا الأمر غير مقبول، خصوصاً وأنّه يبدو في بعض الأحيان وكأنّه منظّم من طرف بعض الأحزاب أو المنظمات التي تستعمل أنصارها للهجوم على خصومها بشكل منظم وفي توقيت مخصوص يترجم البعد التنظيمي لهذه الهجمات التي يستعمل أصحابها عادة حسابات وهميّة لا يمكن تتبعها بشكل قانوني.



هذه الحسابات الوهميّة عانى منها الوزير السابق ومؤسس حزب التيار الديمقراطي محمد عبو بعد إعلانه مساندة بعض ما جاء في تقرير المساواة والحريات، إذ تعرّضت صفحته لهجمات كبرى مما اضطر المشرفين عليها إلى نشر تنبيه جاء فيه "مع احترامنا لحرية التعبير، ولحق كل شخص في أن يخفي هويته ويستعمل اسما مستعارا، ومع استمرار حذف الكلام البذيء أو الذي يشكّل جريمة، يتم أيضاً حذف كل الحسابات الوهمية التي يتبين أنها مكلفة بخلق رأي عام معادٍ لصاحب الصفحة وللتيار الديمقراطي على خلفية انحيازه لدستور البلاد في خصوص المساواة في الإرث، كما انتصر إليه دائما". وأضاف المنشور: "لا يمكن السماح في هذه الصفحة لمن له مال فاسد، أن يستغله لمحاولة خلق رأي عام بماله. يمكنه أن يفعل ذلك في صفحاته أو أي صفحة أخرى. هنا مكان للنقاش تحترم فيه الآراء جميعها بين بشر معروفين، لا بين مليشيات مأجورة، طالما شوهت الديمقراطية التونسية".

هذه الهجمات التي سبق أن تعرض لها سياسيون من كل الانتماءات الحزبية في صفحاتهم الشخصية أو الحزبية، تؤكد أن الاعتماد على "فيسبوك" في تشويه الخصوم وإبراز الذات بات عاملاً أساسياً في السياسة الإعلامية والاتصالية للأحزاب السياسية في تونس، والذين يعتبرون أن المنصات الإلكترونية، خاصة "فيسبوك"، لها دور كبير في الوصول إلى أكبر عدد ممكن من التونسيين على عكس وسائل الإعلام التقليدية.

لكنّه رأي لا يشاركهم فيه معز زيود الذي يرى أنه "رغم كلّ ما يُقال عن التأثير الأكبر حالياً للميديا الاجتماعيّة، وخاصّة شبكة "فيسبوك" بالنسبة إلى تونس، فإنّ وسائل الإعلام السمعيّة البصريّة، أي القنوات التلفزيونيّة والمحطّات الإذاعيّة الأكثر مشاهدةً واستماعًا لا تزال تؤدّي دورًا متزايد الأهميّة في تشكيل توجّهات الرأي العام التونسي. فالمعلوم أنّ صفحات "فيسبوك" الكبرى كثيرًا ما تتغذّى في طرحها قضايا الشأن العام في تونس من الفيديوهات والصور والأخبار المنقولة، بانتقائيّة شديدة وفق توجهاتها واصطفافها، عن وسائل الإعلام التونسيّة".
ويتوقع أن يتزايد دور فيسبوك في صناعة الرأي العام التونسي ويتعاظم مع قرب المواعيد السياسية الكبرى وخاصة الانتخابات الرئاسية والتشريعية سنة 2019.

دلالات

المساهمون