"فومو"... قلق دائم يلاحق "السبرانيين"

"فومو"... قلق دائم يلاحق "السبرانيين"

09 يناير 2020
+ الخط -
أوّل ما يتبادر إلى ذهن القارئ من الوهلة الأولى هو المعنى الحقيقي لكلمة "فومو"، وعليه فإنه مصطلح حديث جداً، تم اعتماده في معاجم مختلفة، ويعني "Fear of missing"، أي الخشية من فوات الفرصة أو الخوف على شبكات التواصل الاجتماعي، وهي ظاهرة مرضية عامة منتشرة في أوساط "السبرانيين" المتصلين دائماً بشبكة الإنترنت، حيث ترى القلق بادياً على ملامحهم، خشية أن يمرّ خبر أو حادثة لا يعلمون بها قبل الجميع.

أول من تحدث عن "الفومو" رجل الأعمال الإنكليزي "باتريك ج ماكجينيس"، وهو أحد المضاربين في البورصة وتتبّعه لأسهم شركاته جعله متصلاً بالشبكة بصورة دائمة، حيث عبر عن ذلك في مقالة نشرها في مجلة "هاربوس" التابعة لكلية هارفارد للأعمال، ثم بدأ المصطلح في التردد على الشفاه بداية من سنة 2004.

ويعزى انتشار الخشية من فوات بعض الأمور على شبكات التواصل الاجتماعي، إلى العديد من الأسباب الموضوعية، وأخرى ذاتية، نذكر منها على سبيل المثال:


1- الأسباب الموضوعية لتطور ظاهرة "الفومو"

إن التطوّر التكنولوجي المطّرد إبان الألفية الثانية وظهور الهواتف الجوالة واللوحات الرقمية مع تقلص استعمال حواسيب المكاتب، نتج عنه سهولة كبيرة في النفاذ إلى المعلومة وتلقيها في أي وقت وحيثما كنت، ولم يعد المرء في حاجة إلى التنقل إلى منزله أو إلى مكتبه لاستخراج المعلومة من حاسوبه الشخصي أو المكتبي.

لا يمكن بأي حال التغافل عن إيقاع الحياة اليومية الذي ما فتئ يتخذ شكلاً صاروخياً، لا مناص من محاولة مجاراته والتأقلم على الأقل جزئياً معه، حتى لا تصاب المجتمعات الإنسانية بعدم التوازن، ليبقى منها المتخلف عن الركب في حالة تيه وضياع، وعليه فإن هذا الأمر في حد ذاته بالضرورة سيخلق قلقاً جماعياً لدى كل من لم يواكب تلك الإيقاعات.

كما أن الحاجة إلى النفاذ إلى المعلومة بسرعة قياسية وعلى ضوئها التصرّف واتخاذ القرارات الحينية يجعل المتصل في مراقبة دائمة لحسابه على شبكات التواصل الاجتماعي على غرار فيسبوك أو تويتر وغيرهما من الشبكات التي تؤمن المعلومة الحينية.

2- الأسباب الذاتية لتطور ظاهرة "الفومو"

عديدة هي الأسباب الذاتية التي تجعل ظاهرة "الفومو" تمتد إلى مدى واسع على شبكات التواصل الاجتماعي، يمكن تلخيصها فيما يلي:

الإنسان بطبعه فضولي ميال إلى تفكيك كل ما خفي عنه أو تطلّب اكتشافه، فما بالك إن مرّ عليه حدث دون أن يعلم به، وهي لعمري طبيعة إنسانية بامتياز، لهذا فإن اللجوء إلى شبكات التواصل الاجتماعي يصبح ضرورة حتمية لإشباع تلك الحاجة الإنسانية.

من ناحية أخرى يمكن التنصيص على أن الفئة العمرية المعنية بتتبع الأحداث والأخبار على الفضاء "السبراني" أغلبها من الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و30 سنة على الأقصى، هم أصلاً يعانون قلقاً دائماً سببه وضعهم الاجتماعي والاقتصادي وحتى النفسي، باعتبار أنهم يبحرون على شبكات التواصل الاجتماعي، إما للبحث عن مورد رزق أو ربط علاقات اجتماعية حميمة تتوّج بالزواج، أو لترويج سلع ما وهذه المتطلبّات بطبعها قد تخلق ميداناً خصباً للقلق الدائم سواء خشية الفشل أو بسبب الانتظار المستمر للنتيجة.

ثمّ أن الأشخاص الذين يعانون "الفومو" عادة ما يسعون نحو البحث عن ملاذ نفسي آمن داخل الشبكة العنكبوتية يوفّر لهم كافة المعلومات المطلوبة لإثراء حيواتهم الروحية التي قد تعاني نقصاً يتم إشباعه بالإبحار والبحث والتمحيص في الوازع الديني، وكذلك الأمر للفئة المقابلة التي تحاول الإثبات لنفسها أن الوازع الديني ليس بمهم في حياتها، مما يعني إجمالاً أن المعاناة الذاتية للمبحرين في الفضاء "السبراني" تتمثل في استمرارية الاتصال اليومي بالشبكة العنكبوتية.

هذا الأمر قد يختلف تماماً عند الأشخاص الذين يختارون الاتصال بالفضاء "السبراني" نادراً أو في أوقات متباعدة، بحيث أن متلازمة "الفومو" لا تلاحقهم ولا تؤثّر في حيواتهم اليومية، وكذلك الأمر بالنسبة لهؤلاء الذين لا يزالون يعتمدون على الشبكة باستعمال أدوات متخلفة عن الركب، فليس الذي يستعمل هاتفاً جوالاً أو لوحة رقمية آخر طراز مثل ذلك الذي يستعمل حاسوباً مكتبياً قديماً.

وفي هذه الحالة قد تصبح التكنولوجيا وأدواتها المتنوعة والمختلفة باباً من أبواب الوبال المفتوحة لتغيير تركيبة المجتمع الإنساني وتشتيته، وتبقى الحلول الآنية عاجزة عن فصل مرضى "الفومو" عن الاتصال بالشبكة إلى حين إيجاد حل جذري وحقيقي للمسألة.