"فلنقضِ عليهم": يوميات ضحايا رهاب السّمنة

من فيلم On achève bien les gros (تويتر)
17 يوليو 2020
+ الخط -

ماذا يعايش الإنسان الذي لا تتطابق مواصفاته مع المعايير الاجتماعية السائدة لصورة الجسد؟ يحاول الوثائقي الذي تقدمه Arte بعنوان "فلنقضِ عليهم" On achève bien les gros البحث ضمن هذا السؤال.

يستعرض الوثائقي الذي بث في شهر يونيو/حزيران الماضي، بالتعاون مع لوران فوليا وفالنتين أوبرتي، السيرة الذاتية للناشطة غابرييل ديدير (39 عاماً) في مواجهة مجتمع يعاني من رهاب البدانة. بعد نشر كتابها عام 2017 بعنوان "لم نولد بدناء" On ne nait pas grosse، عملت ديدير على تسليط الضوء على قضية الرهاب من البدانة الذي يعتبر مصطلح حديث نسبياً في القاموس الفرنسي، وقد أُدخل عام 2018، ويعني السلوك العدائي ضد البدناء والتمييز ضدهم ووصمهم والتنمر عليهم.

تبدأ ديدير بالتوضيح أنه على عكس ما قد يظن المشاهد، هذه ليست قصة شخص يحاول خسارة الوزن، بل هي قصة العيش مع العبء الاجتماعي الذي تفرضه صورة جسدها. يرصد الوثائقي يوميات ديدير ومعاناتها مع المجتمع بسبب سمنتها، فنتيجة لخطأ في علاج الهرمونات في سن المراهقة اكتسبت 30 كيلوغراماً خلال ثلاثة أشهر. بعدها، قاست من التنمر في المدرسة، إلى أن اضطرت إلى تركها لاحقاً.

تتابع الكاميرا ديدير في حياتها الباريسية، وتتركز اللقطات عليها مرتدية ثوب السباحة في بركة داخلية خالية من الناس. تنقلنا الكاميرا في رحلة عودة ديدير إلى مدرستها بعد أن دعتها معلمتها لتقديم مناقشة مع الطلاب حول موضوع رهاب السمنة، حيث يتبدّى قلقها من العودة للمرة الأولى بعد الانقطاع عنها. في لقاء ديدير مع طلاب ثانويتها السابقة، تشاركها بعض الطالبات ألمهن بسبب زيادة أوزانهن النسبية، ويظهر للمشاهد حجم الضغط الاجتماعي عليهن.

في فرنسا، يعاني قرابة 6 ملايين فرنسي من السمنة، بينما يعاني 2 مليون من البدانة المفرطة ومن التهميش؛ فهم يشكلون النسبة غير المرئية، وليس لهم أي تسهيلات في الفضاء العام المعادي لهم. وبحسب ديدير: "واحد من بين كل ستة أشخاص يعاني من السمنة، بينما يتم محوهم من الفضاء العام. ويعاني الفقراء ممن يعدون من ذوي الدخل المحدود أو الذين يعتمدون على المساعدات الاجتماعية منها، كما تعد كوصمة ضد النساء".

من اللافت أن منسقة الأغاني والناشطة في حقوق النساء والمثليين وضد رهاب السمنة، ليزلي باربرا بوتش، فرنسية الجنسية، قد بينت أن فرنسا من البلاد شديدة المعاداة للسمنة، حيث لا يجد البدناء أسرّة في المشافي لتلقي العلاج، وتخلو المواصلات وغرف الانتظار من كراسي تناسب الأوزان التي تتجاوز الـ 100 كيلوغرام. وقد تعرضت ليزلي باربرا بوتش في الشهر الثاني من 2020 لمسح صورتها العارية التي لا تظهر منها أي من المناطق الحساسة في الجسد، على غلاف مجلة Télérama من "إنستغرام" ووسائل التواصل الاجتماعي، وذلك بسبب رهاب السمنة، بحسب الناشطين.

توضح ديدير أن من أقسى أشكال التمييز التي يواجها البدينون هو التمييز في مكان العمل، حيث تعرضت للفصل من عملها في مدرسة للأطفال بسبب وزنها، بالرغم من تحصيلها الجامعي المتميز، إذ إنها خريجة جامعة الـ Science PO العريقة. وبحسب الوثائقي، فإن نسبة حصول النساء البدينات على عمل هي أقل 8 مرات من غيرهن، وإن الفجوة في الأجور للمهارات المتساوية تقل بنسبة 20 في المائة في حالة توظيف شخص بدين.

ومن المثير للسخرية أن النظام الرأسمالي هو نظام ذو نمط يتسبب في التوتر والضغط النفسي وتتسم أغلب المهن فيه بقلة الحركة، وبساعات عمل طويلة يجلس فيها الموظفون خلف شاشة حاسوبهم. بالتالي يتعرض هؤلاء العاملون والموظفون لحالات من الشره العاطفي الذي تنتج عنه السمنة، لكن هذا النظام نفسه يرفض توظيفهم ويميز ضدهم بسبب أوزانهم.

يتضمن الوثائقي مشاهد متخيلة تعرض سيناريو يعيش فيه البدناء كأقلية مهمشة يتم محاربتها. ونراهم ملاحقين ومجبرين في بعض الحالات على الهرب من أنظمة تقصيهم وتعزلهم. ساهمت غابرييل ديدير في العمل على دعم النسبة المهمشة في فرنسا من البدناء، فقد سبق هذا الوثائقي فيلم عنوانه "أنا، البدينة" Moi, Grosse. عرض هذا الفيلم على قناة France 2 في 2019، وهو مأخوذ عن رواية ديدير "لم نولد بدناء"، ويروي قصة بحث البطلة عن عمل في مجتمع يرفض توظيف ذوي الوزن الزائد. وفي الدور الرئيسي، قدمت جولييت كاتز، المعروفة بنشاطها على منصات التواصل الاجتماعي، أداء متميزاً.

يحمل وثائقي "فلنقضِ عليهم" رسالة للتصالح مع الذات ومحبتها، برغم السلبية التي يواجه بها المجتمع هذه الفئة. كما يسعى إلى أنسنة فئة تتهم بضعف الإرادة واستلابها، ويركز على مدى الأذى الذي تسببه الوصمة والتنميط والسخرية من البدناء. ليس الهدف من رفض رهاب السمنة التشجيع على اكتساب الوزن، بل الهدف فهم الظرف الراهن الذي ساهم في رفع نسبة البدانة حول العالم بشكل ملحوظ.

فبحسب "منظمة الصحة العالمية"، فإن عدد حالات السمنة حول العالم تضاعف ثلاث مرات منذ 1975، في عام 2016، كان أكثر من 1.9 مليار بالغ - الأشخاص الذين تتراوح أعمارهم بين 18 سنة وما فوق - يعانون من زيادة الوزن. من هذا المجموع، كان أكثر من 650 مليون شخص يعانون من السمنة المفرطة. وبالتالي يأتي تسليط الضوء على معاناة هذه الفئة كأمر ملحّ، وتصبح قضية محاربة رهاب السمنة من الأولويات، لمنع تهميشهم وعزلهم وخسارة إمكانياتهم ومهاراتهم ورؤيتهم كأفراد متميزين لكل منهم بصمة، خاصة في هذا العالم.

المساهمون