"فظائع دبلوماسية": جريمة خاشقجي كما روتها التسجيلات [2/2]

"فظائع دبلوماسية": جريمة خاشقجي كما روتها التسجيلات [2/2]

13 فبراير 2019
ماطلت السعودية قبل السماح للفريق الجنائي التركي بدخول القنصلية(Getty)
+ الخط -
طيلة فصول كتاب "فظائع دبلوماسية: الأسرار المظلمة لقتل خاشقجي"، استعاد الصحافيون في صحيفة "صباح" التركية فرحات علنو، وعبد الرحمن شيمشك، ونظيف كرمان، تفاصيل التسجيلات التركية التي وثقت عملية قتل الصحافي السعودي جمال خاشقجي. ومن عملية القتل (العربي الجديد عدد 11 فبراير/ شباط 2019) إلى البحث التركي عن الجثة، غاص الكتاب في ما واجهه الأتراك من عوائق. إذ أوضح أن السر لا يزال في بئر موجودة بمنزل القنصل، حيث لم يتم السماح بتفتيشها حتى الآن. إذ طلبت السلطات التركية، أن يتم شفط مياه البئر، وتُفتّش بدقة، وهو ما لم يحصل. بل سمح السعوديون فقط بأخذ عيّنات من المياه التي لم يظهر فيها أثر جيني أو أثر لأحماض أسيدية. ولكن رغم ذلك، فإن هناك احتمالاً مرتفعاً جداً أن تكون الأجزاء ملفوفة بشكل محكم بالأكياس التي تمنع تحلُّلها. ورغم تفتيش السلطات التركية لأماكن عديدة في ولايات مختلفة، إلا أنّ شكوكاً قوية لا تزال تحوم حول البئر، إذ إن الحقائب التي دخلت إلى منزل القنصل حاملةً جثة خاشقجي، لم تخرج من المنزل، ولم يعثر عليها أثناء التفتيش.

تحدّث الكتاب أيضاً عن مراحل تعاطي الاستخبارات التركية مع القضية، التي جاءت على الشكل التالي: عند الساعة 17:50أبلغت خطيبة خاشقجي المدعوّة خديجة جنكيز السلطات الأمنية باختفاء خاشقجي. وعند الساعة 18:00 أبلغ ياسين أقطاي، مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، رئيس الاستخبارات الوطنية هاكان فيدان بالأمر، فاتصل الأخير برئيس الاستخبارات في إسطنبول، الذي بدوره أرسل 10 فرق مختلفة إلى المكان، وحصلوا على التسجيلات.
وخلال ساعتين وبعد الاستماع للتسجيلات، من قبل مختصين باللغة العربية، تم التوصل إلى أن خاشقجي قد قتل، فأبلغ فيدان الرئيس أردوغان عند الساعة 20:00 بالأمر في القصر الرئاسي، وبعدها بأيام قدم فيدان لأردوغان ذاكرة رقمية فيها التسجيلات، ليكلف الرئيس التركي كلاً من فيدان والمتحدث باسمه إبراهيم قالن، ورئيس دائرة الاتصالات فخر الدين ألطون بالبدء بالحراك الدبلوماسي الذي تلى الجريمة، ومرحلة التسريبات.

من جهته، وبعدما عرف الجانب السعودي بموضوع التسجيلات الصوتية، أرسل فريقاً من الخبراء لفحص المبنى بشكل تقني، وقد تم العثور فيه على 10 أجهزة تنصت. وخلال تفتيش الجانب التركي للقنصلية كانت الأجواء متوترة، ووضع عنصران إلى جانب كل عنصر تركي جنائي، ولم يسمح بتفتيش جميع الأماكن إلا وفق ما قبلت به السلطات السعودية. وإلى جانب منع تفتيش البئر في منزل القنصل، منعت السلطات السعودية، الأمن التركي من الوصول إلى أماكن أخرى. كما أن الكلاب المدربة التي شاركت في التفتيش ركّزت بشكل واضح على بعض أماكن التخزين في منزل القنصل، لكن عند تفتيشها كانت خالية، وهو ما قد يشير إلى أن أجزاءً من الجثة قد وضعت هناك قبل تغيير مكانها.

وفي ما يخص اللقاءات التي أجراها النائب العام السعودي سعود المعجب مع الأتراك، كانت على الشكل التالي: اللقاء الأول كان لقاءً لاستماع كل طرف لمطالب الطرف الآخر (التركي والسعودي). وفي اليوم التالي انتظر الأتراك تلبية مطالبهم وهو ما لم يحصل، فكان اللقاء متشنجاً، إذ كرر المعجب طلبه مرات عديدة سائلاً عن هاتف خاشقجي، كما طلب نسخة عن ملف التحقيق، فوافق الجانب التركي على تقديم نسخة وفق ما تسمح به القوانين وشروط التحقيق. كما طلب المعجب من نظيره عرفان فيدان عدم التصريح الإعلامي خلال فترة التحقيق والتزام الصمت، وهو ما رفضه الأخير. بل أكد أنه سيقدم بشكل مستمر جديد التحقيقات للإعلام.
كما أن المعجب طلب نسخة من التحقيقات مع موظفي القنصلية، وهو ما رفضه فيدان أيضاً. وكان سبب هذا الرفض هو غياب التعاون السعودي، بعدما تجاهلت السعودية الرد على الطلب الرسمي التركي بإعادة المطلوبين لاستجوابهم (فريق الاغتيال). لتكون بذلك خلاصة زيارة المعجب، أن هذا الأخير حاول أن يفهم ماهية ونوعية الدلائل المتوفّرة لدى الجانب التركي، ومقابل ذلك لم يقدم أي مساعدة تسهّل التحقيقات.

أما في ما يتعلق بمصطفى المدني شبيه خاشقجي، فإنه خرج برفقة سيف سعد القحطاني من فريق الاغتيال عند الساعة 14:53 من الباب الخلفي للقنصلية، ليستقلا سيارة أجرة إلى منطقة السلطان أحمد. والمدني طوله 180 سنتمتراً ووزنه قرابة 100 كيلوغرام. وقد دخل حمامات جامع السلطان أحمد وكانت له لحية، ولكنه خرج من دونها، بملابس مختلفة، نازعاً بنطال الجينز الأسود مع الجاكيت السوداء، والقميص الرمادي. وبعدها استقلا سيارة أجرة أخرى وعادا للفندق، وعلى مقربة من الفندق رمى المدني كيساً فيه ملابس خاشقجي بحاوية النفايات، ليدخل إلى الفندق بعدها، ويسافر ثاني يوم مع القحطاني برحلة مجدولة، بعدما جاء الاثنان بطائرة خاصة مع فريق الاغتيال قبلها بيوم واحد.
المدني نفسه بعد نشر صوره ضمن تسريبات صحيفة "صباح"، علّق من حسابه على تويتر على الصورة بقول يدين نفسه، أن الصورة ملتقطة له في وقت سابق. ورغم أن مساعي الشبيه في التضليل والهرب من عدسات كاميرات المراقبة، فإن الجانب التركي كلف 750 عنصراً لمراقبة التسجيلات على مدار الخط الذي سلكه فريق الاغتيال، وكان واضحاً بسهولة الدور الذي قام به المدني. إذ ظهر وهو يدخل السلطان أحمد بلحية ويخرج من دونها، إلى جانب موضوع الحذاء الرياضي. إذ إن خاشقجي دخل القنصلية بحذاء جلد رسمي، فيما الشبيه كان بحذاء رياضي، والسبب يعود إلى أن مقاس رجل خاشقجي كان أصغر من مقاس رجل المدني.

وما الذي حصل لملابس خاشقجي؟ بحث عنها الأمن التركي كثيراً، إذ بحث في كل القمامة التي جمعت ونقلت لمنطقة تجميع القمامة وتكريرها بمنطقة كمربورغاز، ولم يتم العثور عليها. والأمر الذي حقق إيجادها هو مرور ثلاثة أيام على اكتشاف رمي الملابس في القمامة، لأن تفتيش الكاميرات كلها يتطلب وقتاً طويلاً، إذ إن عملية التكرير تتم في 12 ساعة، والطمر في 24 ساعة، ورغم ذلك بحث نحو مائة عنصر من المخابرات في المنطقة ولكن من دون نتيجة.

كما عرض الكتاب عملية نقل الحقائب، التي ضمّت أجزاء خاشقجي إلى داخل منزل القنصل، والتي سربت بعد تسجيلها عبر كاميرات المراقبة. وأكد مؤلفو الكتاب، أنه أثناء طباعة هذا الكتاب وصلت معلومات جديدة من المخابرات عن معطيات ووثائق، تشير لمكان وجود بقايا أجزاء جثة خاشقجي سيتم التأكد منها. وقد تم التوصّل إلى هذه المعلومات عبر اختراق هواتف بعض أعضاء فريق الاغتيال. أما هاتفا خاشقجي فما يزالان مقفلين، ولم تتمكن قوى الأمن التركية من فتحهما، وتعمل جاهدة للدخول إليهما.
ألقى الكتاب الضوء على فرق الاغتيال التابعة للمخابرات السعودية المعروفة بفرق النمر، إذ إن جريمة خاشقجي كشفت عن وجود 10 خلايا سعودية نائمة مكونة من 30 عنصراً، يقطنون في بيوت آمنة تحيط بمنازل سكن المعارضة في إسطنبول. وبحسب الكتاب، ربما يندرج لقاء رئيس وحدة المخابرات السعودية في القنصلية أحمد عبد الله المزيني، مع بعض أعضاء الخلايا في غابات بلغراد قرب إسطنبول، في الأول من تشرين الأول/ أكتوبر، في آخر تعليمات مرسلة من المخابرات السعودية، قبيل عودته لاحقاً بعد الجريمة لبلاده للمرة الأخيرة. ويوضح الكتاب، أنه ربما كان هناك مخطط سعودي لإغراق إسطنبول بالضحايا من المعارضة السعودية، ولكن مع أول جريمة سقط المخطّط.