"غول" التنسيق الأمني

"غول" التنسيق الأمني

03 ديسمبر 2014
التنسيق مع إسرائيل انساب لكوادر أمنية صغيرة(عباس المومني/فرانس برس)
+ الخط -

هبّت قيادات السلطة الفلسطينية بالتهديد والوعيد لوقف التنسيق الأمني مع إسرائيل. بغضّ النظر عن جدية مثل هذا التهديد أو إمكانية إنجازه، إلا أنه يدفع بالكثير من الأسئلة الى سطح الطاولة: أولاً، هل يستطيع الرئيس الفلسطيني فعلاً إلزام قيادات الأجهزة الأمنية بوقف التنسيق مع نظرائهم الإسرائيليين؟ ولماذا اندفعت قيادات فلسطينية سياسية لاجترار تهديدات الرئيس أبو مازن، في حين صمتت القيادات الأمنية المعنية أولاً وأخيراً بالأمر.

العارفون ببواطن الأمور يشككون بقدرة الرئيس الفلسطيني على تنفيذ تهديداته لأن التنسيق الأمني مع إسرائيل وصل الى حالة من التشابك والتعقيد بحيث يصعب فك حلقاته، خاصة وأنه لم يعد يقتصر على تنسيق بين قيادات الصف الأول في الأجهزة الأمنية، بل انساب ليصبح من صلاحيات كوادر أمنية صغيرة تتصرف في كثير من الأوقات من دون الرجوع الى قياداتها العليا. ثم إنّ العلاقات "الشخصية" بين القيادات الأمنية الفلسطينية ونظيراتها الإسرائيلية توثقت الى حدّ "الصداقة" بحيث إنها لم تعد تخضع لقواعد مهنية صارمة، وصارت اللقاءات بين قيادات الطرفين تتم بلا مواعيد رسمية، وتعقد في أماكن غير رسمية بلا محاضر رسمية.

الأمر الآخر أن الأجهزة الأمنية الفلسطينية باتت، منذ تولي الرئيس أبو مازن مقاليد السلطة، تتلقى ميزانيات خاصة ومباشرة من الإدارة الأميركية التي تشارك في تدريب العناصر الأمنية الصغيرة والكبيرة، بل وتتدخل في التعيينات والترقيات للكوادر الأمنية وتمنح "حسن السلوك" لهذا الضابط أو ذاك.

المسألة الأخرى، هي أن قيادات الصف الأول في الأجهزة الأمنية تعلمت من تجارب سابقة، وبالتالي أخذت منذ تعيينها في مواقعها بتحصين تلك المواقع بالكثير من الرجال الموالين للقيادات أكثر من ولائهم للأجهزة، ناهيك عن الوطن، والتحصن باحتياطي مالي وافر، يحصنها ضد أي حصار مالي قد يفرض عليها إذا ما تغير هوى أبو مازن. والواقع أن أمر "القوة" بلغ ببعض هذه القيادات الى التخلي عن ألقابها التنظيمية أو العسكرية، ومنح ذواتها ألقاباً أكثر سلطوية من قبيل "الباشا".

"الاستقلالية" المالية لقيادات الأجهزة الأمنية الفلسطينية، وما يدعمها من "حماية" من قبل الأجهزة الأمنية الغربية "المانحة"، جعل التنسيق الأمني يتوغل بل "يتغول" في دواليب السلطة الفلسطينية، وربما هذا ما يفسر صمت القيادات الأمنية، وتأخرها عن اللحاق بركب السياسيين المهددين والمتوعدين. وهو ما يزكي التشكيك في قدرة الرئيس أبو مازن على تنفيذ تهديداته ما لم تأت ضمن حزمة شاملة من "فك الارتباط" مع الاحتلال.