"غوغل" بلا "قلب"

"غوغل" بلا "قلب"

23 اغسطس 2015
غوغل لا يعرف مشاعر سورية
+ الخط -
حين نسأل محرك البحث الأشهر في العالم "غوغل"، عن مدينة سورية ما، فإنه يجيبنا بعد بحثه الطويل، يقول لنا مثلاً إنها تقع شمال أو جنوب مدينة أخرى معروفة، أو أنه يقدم لنا كل حدودها... لكنه ينسى أنها تقع بكل اتجاهات قلوب من عاشوا فيها. ويقول لنا أيضًا إنها كانت تزدهر بالمشاريع، لكنّها الآن بعد الحرب مدينة مهجورة ميتة. ولا يعرف "غوغل" أنّها تعيش بعيون من رحلوا وتكبر بأغنياتهم التي لا تموت.

وحين نسأل "غوغل" عن زراعات المناطق السوريّة، يُجيبنا معددًا لنا أنواع أشجارها وأسماء محاصيلها، لكنه لا يستطيع أن يذكر رائحة الأيدي حين زرعتها ورائحة عرق الجباه التي كانت تحصدها قبل أن يأتي الفجر.

"غوغل" يحكي الكثير، حين نسأله عن تاريخ سورية. فيُعدّد لنا ما مرّ عليها من حضارات وما شهدته من حوادث وحروب ومشاهد سياسيّة تاريخيّة. لكنّه هنا أيضاً، لا يعرف أنّ تاريخها محمولٌ في لغة أهلها... أو حتى أنّهم يأخذونه معهم أينما ذهبوا.

قد يقدم لنا "غوغل" كم كيلومترًا مربعًا مساحتها، وهو لا يعرف أنها تمتد على كل مساحة حياة ناسها، وقد يخبرنا "غوغل" أنّ جزءًا كبيرًا جدًا من المدن السوريّة العريقة قد هدمته آلة الحرب العمياء، وأنّ جدرانها قد أصبحت ركامًا، لكنّه لا يستطيع أن يذكر حكايات من عاشوا في هذه البيوت، والقصص التي تركوها على الجدران. ولا يذكر أيضاً أصوات أطفالها في باحة تلك المدرسة قبل سقوط الصواريخ... وهو بالتأكيد لا يفهم أحلامهم قبل أن يصعدوا إلى السماء.

يعطينا "غوغل" وبدقّة متناهية عدد شهداء سورية، كما يعطينا صورة واسم وتاريخ استشهاد كلّ منهم، لكنّه لا يستطيع أن يحصي لنا حبات الملح التي سقطت وستسقط من عيني أبيه وأمه، أو عدد الآهات التي ستخرج من صدرهما وتغير لون الهواء. ولا يعرف أيضًا كيف تمرّ الليالي على الطفل الذي ما زال ينتظر عودة والده، وهو لا يصدق أن والده الآن تحت التراب...
لا يعرف "غوغل" ملامح أمي ولا طعم ضمّتها، كما أنه لا يعرف كيف يطلع هناك الصباح من قهوة أبي أو من ضحكته... "غوغل" أنتَ تعرِف كل شيء لكنك بدون "قلب".



اقرأ أيضاً: سعداء، تعساء أم مضطربون.. ماذا تقول "السيلفي" عنكم؟

المساهمون