"غربوفوبيا" تركية

"غربوفوبيا" تركية

20 يناير 2015
من التظاهرات التركية ضد الرسوم الكاريكاتورية (فرانس برس)
+ الخط -
تسود قناعة عند عدد كبير جداً من المواطنين الأتراك، بأن بريطانيا والولايات المتحدة تتحملان مسؤولية أي كارثة تحل في البلاد، بل وتكاد بريطانيا تستأثر بحصة الأسد في الخيال المؤامراتي التركي. بطبيعة الحال، لهذه القناعة أسبابها التاريخية المتعلقة بعلاقة السلطنة العثمانية مع جيرانها الغربيين وهزيمتها بعد الحرب العالمية الأولى على يد البريطانيين واحتلالهم لإسطنبول، لحين انتفاض بعض الضباط العثمانيين بقيادة أتاتورك والبدء بـ"حرب الإنقاذ" التي أدت إلى نشوء الجمهورية الحديثة.

حتى أن الكثير من المتدينين الأتراك يميلون إلى الاعتقاد بأن أتاتورك بحد ذاته لم يكن إلا صنيعة مؤامرة بريطانية لإنهاء الخلافة، ليبقى الشارع التركي يعيش في ظل ما يمكن تسميته "غربوفوبيا" أو الخوف المزمن من الغرب المتآمر، حتى أن خسارة إسطنبول لاستضافة دورة الألعاب الأولمبية العام الماضي لصالح لندن، تم تفسيرها من قبل البعض على أنها مؤامرة غربية لمنع دولة مسلمة من استضافة الأولمبياد.

لم يتردد عدد من الإسلاميين في إنعاش فكرة المؤامرة الخارجية خلال الأزمات، وأتت اعتداءات باريس فشكلت حافزاً آخر لتقوم الصحف المحسوبة على التيار الإسلامي بالضخ في "الغربوفوبيا". ووصل الأمر إلى أن بعض الكتّاب الأتراك لم يتردد في الإدعاء بأن الأزمة التي سببتها اعتداءات باريس للأمة الإسلامية، هي من الضخامة بمكان حتى أنها تشبه إزمة الأمة إثر سقوط خلافة بني عثمان بفعل المؤامرات الغربية.

من الممكن تفسير هذا الضخ في الغربوفوبيا على أنه وسيلة انتخابية لدفع الناخبين بعيداً عن الأحزاب العلمانية نحو الإسلاميين، وقد يكون أمراً لاواعياً مبنياً على تراث الصراع العثماني التركي مع الأوروبيين الذي كان في كثير من مراحله مبنياً من الناحية الأيديولوجية على أساس اختلاف الدين، أو حتى وسيلة تاريخية استخدمها الأتراك لمقاومة سياسات التغريب القسرية التي فُرضت عليهم عند تأسيس الجمهورية، أو حتى سلاحاً للرد بالمثل على إسلاموفوبيا الجيران الأوروبيين. لكن استخدام الغربوفوبيا بهذه الكثافة في هذه المرحلة التي تشهد انتعاش السلفية الجهادية في المنطقة، يحمل الكثير من المخاطر، وخصوصاً أن الأخيرة تعتمد عليها بشكل أساسي في دعوتها لتبرير العودة إلى التاريخ حفاظاً على الهوية والدين.

المساهمون