"عمارة حَني"... وغياب الضمير!

"عمارة حَني"... وغياب الضمير!

07 يناير 2020
+ الخط -
الواقع الأليم والمحزن الذي أصاب البنية التحتية السورية في الصميم، جرّاء الحرب المدمّرة التي اقتلعت الكثير من البنى من أماكنها الرئيسة ونقلتها من حال إلى حال، لم تعد تخفى على أحد، وهذا ما أساء للبلد بصورةٍ عامّة، وأسهم بالتالي في تغيير البنية التحتية التي صارت في حال لا تُحسد عليه، بل إنّها تحوّلت من وضع مقبول مرضٍ إلى حد ما، إلى وضع سيئ جداً لا يتناسب مع ما كان قائماً في السابق، قبل اشتعال فتيل الثورة السورية المدمّرة.

وما يمكن أن نقف عنده في هذه الأسطر، هو واقع الخدمات الذي لطالما احتفلت القيادة السورية الحكيمة بمثاليتها على أنها أنجزته وبنسب كبيرة، وهذا ما كان يهمها، وبحسب أهمية المحافظة وموقعها الاستراتيجي والجغرافي، ودعمها المعنوي، وهذا ما كان يلاحظ في حينه.


الواقع الخدمي في المدن والمحافظات السورية، وفي الريف السوري بصورةٍ عامّة، لم يكن مقنعاً أبداً ولم يرض أحداً، على الرغم من العقود التي أبرمت لإنجاز المشاريع الخدمية، فضلاً عن مشاريع الاتصالات والكهرباء والمياه والجسور والمدارس الحكومية والمشاريع الطرقية التي كانت تنفّذ بسوية سيئة جداً، وبعرف الجميع، بدليل ما آلت إليه بالاتفاق مع المتعهد الذي رست عليه مناقصة المشروع، وهذا ما يعني أنَّ المشروع فاشل، ولن ينفّذ كما هو مخطط له، وإلاّ كيف سيستفيد الدارس والمشرف والمنفّذ، والإدارة التي يعود لها الإشراف على المشروع.

طبيعي أنَّ هذا كلّه سيكون له انعكاسه السلبي على خلفيات هذا المشروع الذي ستؤول معظم الفائدة منه إلى المنفّذ، وهو المتعهد والمشرف على التنفيذ الذي سيغضّ النظر عن أشياء كثيرة وسلبيات أكثر بالاتفاق مع الإدارة المعنية، والتي تفرح في معطيات كهذه لأنه سينالها منه نسبة كبيرة من عائداته الربحية في حال نفّذ بالطريقة التي يراها المتعهد ملائمة وترضي المعنيين.

قد يقول قائل، ماذا تعنون مما تكتبون وتتناولونه في "فيسبوك"، وفي غيره من مواقع التواصل، أو المواقع الإلكترونية والصحافة المقروءة؟ هل تقصدون أنّ ما نفّذ وما ينفّذ من مشاريع حكومية اليوم، وما سبق أن نفّذ سابقاً كانت تسلق سلقاً؟!!.

نقول:
ما نفّذ، وما ينفّذ اليوم من مشاريع، سواء أكانت صغيرة أم عملاقة، فإنّ ما يزيد عن الــ 80% منها تنفّذ بسوية أدنى على حساب المشروع الذي سيأتي اليوم الذي سيلجأ فيه المتعهد إلى إعادة صيانته مرات ومرات، إذا لم يتعرّض إلى الهبوط، وإصابته بشروخ تهدّد بسقوطه! وهذا ما ينطبق بقولنا "عِمارة حَني"، وهذا الشخص معمار معروف لأهالي مدينة الرَّقَّة، ولطالما لجأ إلى إنهاء ما بدأ به من بناء حائط أو سواه بمزاجه الخاص. الأهم أنه ينهي ما بدأ به كيفما يشاء، وقبل أن يشاهده صاحبه، ويترك بانتظار الهبوط بعد ساعات أو يوم!

الأهم أن يشاهده صاحبه واقفاً، وعلى ضوء ذلك أطلق هذا المثل الشائع "عمارة حَني"، أي أن عمر البناء قصير جداً، ونهايته حتمية السقوط لا محالة!

وفي سورية ما زلنا نعاني من غياب الضمير لدى أغلب المتعهدين الذين ينفّذون المشاريع التي تلزّم إليهم، والأهم من هذا وذاك الإفادة من المشروع الذي يقوم على إنجازه، ولا يهم إن كان يخدم الناس أم لا، فالأولى هو إعمار جيوب المسؤول وما يليه من مكانة، وهذا ما يبحث عنه للحفاظ على كرسيه، واستمراريته في المكان الخطأ الذي وجد فيه، ومنه كثير.
6C73D0E8-31A0-485A-A043-A37542D775D9
عبد الكريم البليخ
صحافي من مواليد مدينة الرقّة السوريّة. حصل على شهادة جامعيَّة في كلية الحقوق من جامعة بيروت العربية. عمل في الصحافة الرياضية. واستمرّ كهاوي ومحترف في كتابة المواد التي تتعلق بالتراث والأدب والتحقيقات الصحفية.