"ظِلّ الخوف" لسوار مُلا: لقد غرقَ المركب

"ظِلّ الخوف" لسوار مُلا: لقد غرقَ المركب

03 يوليو 2020
حمود شنتوت/ سورية
+ الخط -

"عامودا ما تزالُ ترتجف
يُخيفُها الذي انتصرَ مراراً
وكذا الذي لم ينتصرْ بعدُ.

عامودا تتمدَّد على ظهر طوروس
كغزالةٍ بعينين مفقوءتين
لكنّها ترانا جيّداً
نحن الذين شربنا من خوفِها 
وخرجنا دونما عودةٍ.

عامودا آخرُ مكانٍ للطمأنينةِ
وأوَّل ساحةٍ للفزع".

بقصائد كهذه التي كتبها عن مسقط رأسه، يدخل الشاعر السوري سوار مُلا (1992) بمجموعته الأولى "ظِلّ الخوف"، (منشورات المتوسط، 2020)، إلى مشهد شائك ومتشّعب ومحتشد بالكتابات والكتّاب، أي مشهد الشعر السوري في الألفية الثالثة.

سوار مُلا
سوار مُلا

سعت مقترحات عديدة في قراءة الشعراء السوريين الذين برزوا بعد الاحتجاجات الشعبية التي شهدتها بلادهم، أو قبلها بقليل، إلى النظر إليها بوصفها امتداداً لمجموع التجارب التي ظهرت منذ السبعينيات، مع التركيز على مواضع الاختلاف عن التجارب التي سبقتها، من ناحية الكتابة بمفردات تتقصّد الخروج على بلاغات جيل التسعينيات، أو الانفتاح على عوالم وانشغالات غير مألوفة، أو معاكسة الآباء والمؤسسين في الشعر السوري، وبالأخصّ أدونيس والماغوط وبدرجة أقل سليم بركات.

من السابق لأوانه تأكيد اختلاف تلك المحاولة التي قادتها القصيدة الجديدة في العقد أو العقدين الأخيرين، فربما تقدّم دراسات معمقة خلاصات مغايرة تفرض عدم التسليم بتلك السمات المشتركة لشعرائها، ومحاولات التصنيف الأولية لهم ولموضوعات كتابتهم بين الحنين والمنفى والذات المفجوعة المأخوذة على طريقتها بيوميات وأحداث صغيرة.

يظلّ الخروج من المكان/ الوطن المفهوم الأول المؤسّس لمعظم الشعراء السوريين الشباب المقيمين في منافيهم، في سياق تعبيرهم عن حالة مركبة من الخوف والقلق والألم تهمين على راهنهم الذي لا تغيب عنه أسئلة الانتماء، وإرهاصات المُهاجر/ المغترِب، وحيرة المصير المجهول، يكتب سوار مُلا في قصيدة "الذاكرة": 
رويداً رويداً تختفي الأشياء التي في ذاكرتنا عن سطح الأرض.
الناسُ، الأصواتُ، البيوتُ، الشوارعُ، الأسواقُ، المدنُ، البلداتُ، الجبالُ، الجبالُ. كلُّ شيء، كل ُّشيء يصيرُ تحتَ الأرض. ذاكرتنا تتحوُّل إلى مقبرةٍ كبيرة
وكلّما نتذكّر نغدو جثثاً ممددةً".

​    غلاف المجموعة

ستعدّد الإحالات في المجموعة إلى التيه السوري الذي تحاصره ذاكرة القتل والتهجير والرعب المتعاظم طوال الأعوام التسعة الماضية، والتي لا محيد عنها من أجل استعادة الذات التي تولّد الشعر وتشتهي الحياة، وإن بدا استنزاف الذاكرة مؤلماً حدّ فقدان المعنى، كما يدوّن الشاعر في قصيدة "المركبُ الغرقان":
"كانت ليلةً سيِّئة بحق. أقفلنا أعيننا على النّبأ وتركناه يغرق في جوفنا، كمركبٍ هشٍّ، يحملُ أحزاناً ثقيلةً. لقد غرقَ المركبُ خلفَ أعيننا المقفلةِ، وسقطَ بين كلّ ما رأيناه، تسلّل إلى داخل حياتنا القديمة، ذكرياتنا، مشاغبات الطفولة، مداعبات الصبا، لقد انحلَّ المركبُ في داخلنا، وصرنا نلمحه في كلّ شيءٍ نراهُ، غدا المركبُ المعتمُ ظلاً رهيباً يجانبُ، ما نحبُّ وما نكره".

أما في قصيدة "مصادفات"، فتبرز المواجهة مع الذكريات كنوع من افتقاد الماضي الذي سيخلد أثره في القادم، فيدوّن: "صادفتُ كثيراً من الناس في حياتي دون أن أتعرَّف إليهم، التقيتُهم في الأزقّةِ الذاهبةِ إلى الأسواق، في باحاتِ المدارس، على أطرافِ الساحاتِ العامة، فوق أرصفةٍ نائية، في مطاعم بسيطةٍ، في المستشفياتِ، وعند انتظار الحافلات، لكنَّني لم أكن أعرفُ قطُّ أنَّهم تَرَكوا لي أثراً سأعثر عليه في وقتٍ ما، ربّما في حلمٍ أو كابوس، في ساعات الصحّة أو في أثناء الوعكاتِ، في دروب الغاباتِ بداية الرّبيعِ أو في محطاتٍ مجهولةٍ بعد انتصافِ الليل. لقد حفروا، بعجالةٍ، الماضيَ في المستقبلِ، ومضوا دونما عودةٍ".

المساهمون