"طوق نجاة"... رشّة جريئة في الإعلام السوري

"طوق نجاة"... رشّة جريئة في الإعلام السوري

10 أكتوبر 2019
مقدم البرنامج محمد دوبا (يوتيوب)
+ الخط -
انتهى الموسم الأول من برنامج "طوق نجاة" ذي الطابع الاجتماعي برشّة جريئة، استطاع من خلالها تخطي عتبة النمطية التي كانت تسيطر على مضمون البرامج الاجتماعية في الإعلام السوري بشقيه الموالي والمعارض من حيث اختيار القضايا والمواضيع التي من السهل والمسموح الخوض فيها وطرحها أمام طاولة النقاش. 
والبرنامج الذي يعده ويقدمه الزميل محمد دوبا على شاشة "تلفزيون سوريا" كان يحاول التجذيف عكس التيار في الخوض بالممنوع، ضمن مساحة ضيقة من المحافظة الاجتماعية التي تغلف المجتمع السوري. ففتح البرنامج ملفات الزواج المدني والإلحاد ووزواج القاصرات، وركز على الظواهر الاجتماعية التي ظهرت في مجتمعات اللجوء كالتسول وتجارة الأعضاء البشرية وكثرة حالات الطلاق، وغيرها من المواضيع والقضايا الحساسة التي كانت ممنوعة من التداول - على المستوى الإعلامي على الأقل.

فهل استطاع البرنامج فعلاً أن يكون فعلاً "طوق نجاة" أمام السوريين في تشريح هذه القضايا لتخطي سلبياتها، أم أنه محاولة للحاق بركب الإعلام العالمي وجزء من الإعلام العربي الذي بات يقدم هذا النوع من البرامج؟ عن ذلك يقول معد ومقدم البرنامج، محمد دوبا، في حديث مع "العربي الجديد" إنّ "هدفنا من وراء هذا البرنامج تحريك المياه الراكدة داخل المجتمع، والتحرش بعقل المتلقي. إذ جرى على مدى عقود قمع وكبت كل محاولات التحرر، سواء على المستوى السياسي أو الفكري أو الاجتماعي، وهو ما سبّب حالة من الجمود المجتمعي إن جاز التعبير. فصارت مناقشة كثير من الممارسات الاجتماعية ممنوعة بحجة (العيب) أو (الحرام) أو (الخوف)، ولا نفشي سرّاً حين نقول إن النظام السياسي كرّس هذه الحالة عبر سيطرته وتدجينه للمؤسسات الدينية و التعليمية والثقافية في سورية".

وعن الضوابط التي اختارها مع فريق العمل لتحديد إيقاع البرنامج، يقول دوبا "ما يميز (طوق نجاة) هو النقاش المفتوح للجميع دون سقف ودون أحكام مسبقة، إضافةً إلى الجرأة. إنها المرة الأولى في تاريخ الإعلام السوري التي تتحدث فيها فتاة سورية مسلمة مع زوجها المسيحي عن زواجهما أمام الشاشة، وتتحدث (آنسة قبيسية) عن تجربتها مع جماعة (القبيسيات) بعد انشقاقها عنهن. وفي (طوق نجاة) أخبرنا أحد الشباب السوريين لماذا قرر بيع كليته، وتكلّم والد أحد الأطفال عن سبب إرساله أطفاله للتسوّل في الشوارع. أستطيع القول إنه أول برنامج تلفزيوني سوري من نوعه، من حيث طرح ومناقشة مواضيع مسكوت عنها في المجتمع، بجرأة ومهنية وموضوعية في الوقت نفسه، حتى على مستوى الإعلام العربي، رغم وجود بعض المحاولات، إلا أن أكثر البرامج تقع في فخ الانحياز، وهو ما يحاول (طوق نجاة) الابتعاد عنه".


على المستوى الفني، يطرح البرنامج شكلاً تقليدياً، حيث يعرض ثلاث تجارب شخصية في الحلقة الواحدة من خلال استضافة أصحابها داخل الاستوديو أو عبر الأقمار الصناعية، إضافةً إلى وجود ضيوف مختصين لإثراء النقاش من الباحثين الاجتماعيين و المحامين ورجال الدين وغيرهم من المختصين. وعن المحتوى الذي يحرص البرنامج على تقديمه، يقول دوبا إنّ "البرنامج يقدم مقاربات جديدة وعميقة في آن، لا تكتفي بمناقشة الظواهر الاجتماعية من حيث ممارساتها فقط، بل تبحث عميقاً في الجذور الفكرية التي أدت إلى إفراز هذه الظواهر. فناقشنا الإلحاد، الجامعات الوهمية، اليوتيوبرز السوريين، زواج القاصرات، الأدوية الفاسدة، جميعها كانت عناوين لحلقات البرنامج، الذي يناقش الظواهر الاجتماعية الإشكالية والمثيرة للجدل، التي ترتبط بواقع السوريين خاصة منذ 2011 وما بعدها. ونحن ندرك أن مناقشة المشاكل والظواهر الاجتماعية بحرية تمثل الخطوة الأولى لإيجاد حلول لها، وتقديم طوق النجاة للمجتمع كي لا يغرق فيها".


أما عن أبرز الصعوبات التي واجهت فريق البرنامج خلال التحضير، وفيما بعد، أثناء عرض الحلقات، فيشير دوبا إلى أنّ "الصعوبة الأكبر هي كسر (التابوهات) أو الممنوعات في مجتمعنا، حيث ما يزال الخوف يمنع كثيرين من الحديث عن تجاربهم الشخصية عندما يتعلق الأمر بموضوع حسّاس، من هنا كانت الصعوبة في إقناع أصحاب التجارب القاسية أو الجريئة من السوريين بالحديث عن تجاربهم أمام الكاميرا. إذ ليس من السهل أن تتحدث امرأة عن تعرضها لتحرش جنسي مثلاً. أما بعد العرض، فإن تقبّل الجمهور لطرح المواضيع الحساسة كهذه ليس مؤكداً، حيث يرفض كثيرون مجرد مناقشة هذه المواضيع، لكن أظن أن البرنامج نجح في كسر حاجز الخوف على الأقل ولو جزئياً، مع التأكيد على أنه خطوة أولى تحتاج إلى مزيد من الخطوات لاحقاً". 

وعمّا إذا كان البرنامج في موسمه الأول قد تناول كافة المواضيع التي كانت على جدوله، يُجيب دوبا بأنّ "المواضيع الاجتماعية الإشكالية كثيرة في مجتمعنا، وتحتاج إلى عشرات وربما مئات الحلقات، لذلك فإن التحضير للموسمين الثاني والثالث من البرنامج جارٍ حالياً. وليس هناك سقف لما يمكن نقاشه في (طوق نجاة)، لذلك لا يوجد ما لا نستطيع الخوض فيه، لكن دائماً هناك محاذير تتعلق بشكل رئيسي بموضوعات الدين والجنس، وقد تناولنا بعضها في الموسم الأول، وستكون حاضرة أيضاَ في الموسم القادم بقوة". 

أما عن تعرضهم لتهديدات أو مضايقات لعرضهم حلقة أو أكثر تتناول موضوعا معينا، فيُشير دوبا إلى أنه "حصل هجوم من قبل بعض الأطراف والمتابعين على بعض الحلقات، وهذا أمر متوقع، بسبب طبيعة المواضيع التي نتناولها، لكنّه -لحسن الحظ- هجوم إلكتروني فقط". 
ويحضّر القائمون على البرنامج للموسم الثاني منه على أن يبدأ تصوير الحلقات الأولى قريباً، لكن العرض سيبدأ مع بداية العام المقبل. وسيكون الموسم الثاني امتداداً للأول من حيث المحتوى والمضمون مع وجود بعض التعديلات على الشكل والديكور.




المساهمون