"صنع في إيران" يحتل الأسواق العراقية

"صنع في إيران" يحتل الأسواق العراقية

08 مايو 2015
"ساخت إيران" العبارة الأكثر شهرة في الأسواق العراقية(أرشيف/فرانس برس)
+ الخط -
"ساخت إيران".. هي العبارة الأكثر شهرة الآن في تجارة العراق، فلا يمكن لزائري أسواق المواد الغذائية أو الكهربائية، وحتى الإنشائية والدوائية والصناعية الكبرى، التغاضي عن هذه العبارة، التي تعني باللغة العربية "صنع في إيران".
فبعد الاحتلال الأميركي للعراق في مارس/آذار 2003، أعقبه غزو اقتصادي إيراني تمثل في دخول الشركات والمستثمرين للبلاد، تحت غطاء وتسهيل كبيرين من الحكومات المتعاقبة في بغداد.
وبحسب تقرير لمنظمة "سوق"، وهي إحدى المنظمات المحلية المعنية بالاقتصاد العراقي، فإن الاقتصاد الإيراني بكل مفاصله ابتلع نحو 90% من السوق العراقية، محذرة من أن "إيران ستتحول، خلال أعوام، إلى مالك للاقتصاد العراقي ومتحكم فيه بدون منافس".
وذكر التقرير، الذي حصلت "العربي الجديد" على نسخة منه، أنه "على مستوى المال، فإن 11 مصرفا إيرانيا تعمل في العراق بشكل مستقل، كما اشترت مصارف إيرانية حصة بـ6 مصارف عراقية أخرى، حيث يبلغ إجمالي المبالغ الخاصة بالإيرانيين في تلك المصارف أكثر من 70 مليار دولار".
وقال إن "إيران تمتلك 7 شركات تحويل مالية قابضة في العراق، اشترت واستثمرت في مصانع عراقية مملوكة للدولة أو القطاع المختلط، بواقع 80 مشروعا حتى الآن".
وأضاف أن "إيران تمكنت من الإفلات من العقوبات الاقتصادية الدولية المفروضة عليها، بفعل برنامجها النووي، عبر العراق، حيث باتت تجارة العراق وحراكه الاقتصادي، حراكا وتجارة إيرانية مع الغرب والشرق بغطاء العراق".
وأشار إلى أن إيران باتت تمتلك مقاليد الحكم على سوق السيارات والحديد والأجهزة الكهربائية والمنزلية والسياحة والتجارة بشكل أشكالها، "وجاء ذلك بتواطؤ من مسؤولين عراقيين أزاحوا المنافسين الصينيين والأكراد من السوق، من خلال فرضهم شروطا تعجيزية عليهم مقابل تسهيلات خيالية للإيرانيين، رغم رداءة صناعتهم أو بضائعهم التي يصدرونها للعراق".
ولم تنجح حملات سابقة أطلقها رجال دين سنة وأكراد وناشطون لمقاطعة البضائع الإيرانية في العراق ردا على تدخلها في الملفين العراقي والسوري، حيث أصبح المترددون على الأسواق لا يرون سوى البضائع الإيرانية، التي غزت الأسواق، وباتت أرخص بكثير من تلك الصينية المعروفة بقلة جودتها وكفاءتها.

وقال عمر أحمد، الخبير الاقتصادي العراقي، لـ"العربي الجديد"، إن "إيران تسيطر على أسواق العراق، كما هي مسيطرة على سياسته وسيادته أيضا".
وأضاف أحمد أن تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" ساهم في تعزيز هذه السيطرة التجارية والاقتصادية، حيث أدت سيطرته على مناطق واسعة من شمال وغرب البلاد إلى إغلاق كل حدود العراق البرية مع دول الجوار، باستثناء الحدود مع إيران شرق وجنوب البلاد، وباتت هي الخيار الوحيد للعراقيين.
من جانبها، قالت نجيبة نجيب، عضو اللجنة الاقتصادية في مجلس النواب العراقي، إن لإيران أهدافا ومصالح استراتيجية واقتصادية وتجارية في العراق، لكونه المنافس التقليدي لإيران في المنطقة، الأمر الذي دفع بطهران إلى التوجه بكل ثقلها إلى الأسواق العراقية بمختلف مفاصله.
وأشارت في تصريح لـ"العربي الجديد"، إلى أن قيمة الصادرات الإيرانية للعراق، خلال العام الماضي 2014، بلغت نحو 12 مليار دولار، ومن الممكن أن تتضاعف هذه القيمة خلال العام الحالي.

اقرأ أيضا: مغانم طهران وخسائر العرب

وأضافت أنه ليست هناك أية قيود في تصدير السلع الإيرانية إلى العراق، وهناك بعض السياسيين المتنفذين يمنحون الشركات الإيرانية تسهيلات إضافية، مما جعل رجال الأعمال الإيرانيين ينشطون في مختلف المجالات الاقتصادية.
وبحسب حيدر محمد الدهلكي، عضو مجلس غرفة تجارة بغداد، فإن إيران صدرت ما قيمته 12 مليار دولار من الخدمات الفنية والهندسية والبضائع المتنوعة للعراق، بدءاً من مارس/آذار 2014 وحتى الآن.
وقال الدهلكي في تصريحات خاصة، إن السلع الغذائية والخضروات، غزت الأسواق المحلية لتدني أسعارها، ما أثر على الإنتاج والزراعة الوطنية التي تشهد ركودا غير مسبوق منذ سنوات.
وامتدت السيطرة الإيرانية إلى خارج نطاق السلع الغذائية، لتصل إلى أسواق السيارات، فقد اجتاحت السيارات الإيرانية الأسواق العراقية، على الرغم من قلة كفاءتها ومتانتها، وفق خبراء الاقتصاد.
وتم تدشين خطوط إنتاج سيارات، منها "سمند" في العراق. وأكد منير الدليمي، أحد موظفي الشركة العامة للسيارات التابعة لوزارة التجارة العراقية، لـ"العربي الجديد"، أن إيران قامت، خلال الأربع سنوات الماضية، بإنتاج السيارات بطاقة تبلغ 30 ألف سيارة سنوياً في منطقة "الإسكندرية" جنوب العاصمة العراقية بغداد، مشيرا إلى أن تصدير السيارات الإيرانية إلى العراق يتم منذ عقد إلى الآن.
ولا يغيب قطاع النقل بشكل عام عن أنظار الإيرانيين، فقد أعلنت وزارة النقل العراقية، في أبريل/نيسان الماضي، عن اتفاقها مع نظيرتها الإيرانية على مشروع لربط السكك الحديدية بين البلدين عبر منفذ الشلامجة على الحدود مع إيران جنوب البلاد، في حين عدت وزارة النقل الإيرانية أن المشروع ينطوي على جدوى اقتصادية كبيرة، كونه سيربط البلدين بالصين وأوروبا.
كما تسعى وزارة الكهرباء، خلال السنوات المقبلة، إلى إقامة شراكة طويلة الأمد مع الصناعة الإيرانية في مجال الطاقة، حيث قالت أمل البياتي، عضو لجنة الخدمات والإعمار النيابية، لـ"العربي الجديد"، إن ذلك المشروع سيلبي احتياجات قطاع الكهرباء من المحولات وأبراج نقل الطاقة وغيرها.

كما تمكنت طهران من الاستحواذ على السياحة الدينية في العراق، خصوصا أن الكثير من الزائرين القادمين لمحافظتي كربلاء والنجف (جنوب) ومدينة الكاظمية في بغداد، وسامراء في محافظة صلاح الدين (وسط) وهي أماكن مقدسة لدى المسلمين الشيعة، يأتون من إيران.
وأكدت ليلى البرزنجي، عضو لجنة السياحة والآثار في البرلمان العراقي، أن الشركات الإيرانية تسيطر على جميع مرافق السياحة الدينية في البلاد، مضيفة أن العراقيين لا يجنون الأرباح، على الرغم من وفود الملايين سنويا إلى مدنهم من أغلب دول العالم.
وحملت البرزنجي، وزارة السياحة والآثار العراقية المسؤولية حول سيطرة الشركات الإيرانية على السوق السياحية منذ أكثر من 10 أعوام.
ويتخوف خبراء من أن اقتصاد العراق سيتعرض لإغراق إيراني أكبر، حال رفع العقوبات عن طهران، بتوقيع اتفاق نهائي محتمل مع الدول الكبرى نهاية يونيو/حزيران المقبل.
وبحسب الخبراء، فإن من شأن رفع العقوبات، زيادة صادرات إيران من النفط، لتؤجج المنافسة بين كبار المنتجين في الشرق الأوسط، فيما يعد العراق الأقرب إلى الخسارة في ظل هذه المنافسة، ما يعوق صادراتها النفطية أو يؤجل تنفيذ مشروعاتها التوسعية في قطاع النفط.
وخفضت العقوبات صادرات النفط الإيرانية بمقدار النصف إلى مليون برميل يوميا من 2.5 مليون برميل يوميا في 2012. وفي مارس/آذار الماضي، قال وزير النفط الإيراني، بيجان زنغانه، إن طهران مستعدة لزيادة صادراتها النفطية بما يصل إلى مليون برميل يوميا عند رفع العقوبات، ويمكن أن يصل الإنتاج إلى 4 ملايين برميل في أقل من ثلاثة أشهر.
ولدى إيران بالفعل أكثر من 20 مليون برميل في التخزين العائم جاهزة للبيع، وقد استأجرت منشآت لتخزين الخام في آسيا.
وفي المقابل، يعتمد العراق على النفط في تدبير نحو 90% من نفقاته، وينتج العضو في أوبك، نحو 3.5 ملايين برميل يومياً، يصدّر منها نحو 2.8 مليون برميل يومياً.
كانت تقارير رسمية عراقية، قد تحدثت عن أن إيران تسرق بشكل علني النفط العراقي من حقول حدودية بين البلدين، بعلم مسبق من رئيس الوزراء العراقي السابق، نوري المالكي. فيما أكد مسؤولون عراقيون كبار، أن طهران تجني من خلال السطو على النفط العراقي مبالغ طائلة، تقوم من خلالها بالإنفاق على رعاية مصالحها في كل من سورية والعراق.
وقال مسؤول عراقي رفيع المستوى في حكومة حيدر العبادي، في تصريح سابق لـ"العربي الجديد"، إن "لجنة التفتيش والمتابعة في وزارة النفط، قدمت تقريراً مطولاً أكدت فيه سرقة إيران كميات كبيرة من النفط، من حقول عراقية، أبرزها الفكة والطيب جنوب العراق".
ويواجه العراق أزمة مالية، ويصل عجز الموازنة، خلال العام الحالي، إلى 21 مليار دولار، نتيجة تهاوي أسعار النفط عالمياً بأكثر من 50% منذ يونيو/حزيران.
ويوجد في العراق 24 حقلاً نفطياً مشتركاً مع إيران والكويت وسورية، من بينها 15 حقلاً منتجاً، والأخرى غير مستغلة. وتعول الحكومة العراقية على عقود النفط لرفع إنتاج البلاد من الخام، إلى نحو 8 ملايين برميل يومياً في السنوات القليلة القادمة.

اقرأ أيضا: برلمان العراق ينتقد سيطرة إيران على السياحة