Skip to main content
"صفقة القرن" من وحي مشاريع إسرائيلية
أنس عبد الرحمن
الإبقاء على المستوطنات أساس المشاريع الإسرائيلية (غالي تيبون/فرانس برس)
تستند خطة فلسطين الجديدة، حسب التصور الأميركي الذي هو في الواقع إملاء من اليمين الصهيوني في إسرائيل في ما بات يعرف بصفقة القرن، إلى الواقع الذي فرضه الاحتلال خلال العقود الماضية، وهي بذلك تنطلق من الحقائق على الأرض عبر سلسلة طويلة من الإجراءات العملية التي هندسها الاحتلال في الضفة الغربية والقدس، كل خطة كانت تنبني على الخطة التي سبقتها، والإجراءات تأتي مكملة لما قبلها، وقد برعت إسرائيل تاريخياً في التخطيط ووضع الاستراتيجيات في كافة المجالات الأمنية والاقتصادية والسياسية، ولا يخرج التعاطي الإسرائيلي مع جوانب الصراع عن هذه القاعدة، فكانت الضفة الغربية والقدس بعد حرب عام 1967 محورا أساسيا في النقاشات لدى صانعي القرار، وأولت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة بغض النظر عن هويتها، اهتماماً بالغاً بمستقبل الضفة الغربية من منظور مصالح إسرائيل الاستراتيجية وكيفية السيطرة عليها بمعزل عن مسار التسوية الذي أفرز اتفاق أوسلو، ومفاوضات السلام والسعي نحو تحقيق حل الدولتين.

لقد دأبت حكومات اليسار حتى عام 1977، ومن بعده اليمين، ومن ثم اليسار حتى تسلم بنيامين نتنياهو عام 1996 رئاسة الوزراء، على وضع الخطط الخاصة بالضفة الغربية خاصة في جانبها الاستيطاني، وهي وإن اختلفت في هوية الحكومة والجهة القائمة عليها أو السياق الزمني، إلا أنها تتفق في ناظم أساسي وهو السيطرة على الضفة الغربية استيطانياً وأمنياً، وتحديد التواجد الديموغرافي الفلسطيني في أضيق بقعة جغرافية ممكنة. ومن أبرز هذه المخططات:

مشروع ألون
يعتبر مشروع ألون من أهم المشاريع التي طرحت وقدمت رؤية للحل مع الفلسطينيين مع مركزية المشروع الاستيطاني في جوهر الرؤية، أعد المشروع يغال ألون وزير العدل الصهيوني بعد حرب عام 1967م مباشرة في سياق ترسيخ وضع إسرائيل الاحتلالي، وخلق حقائق على الأرض بما ينسجم مع الرؤية الامنية بعيدة المدى، وهدف المشروع إلى تحقيق ثلاث استراتيجيات؛ تضييق مجال خيارات التسوية المتاحة، وضمان المحاور الأمنية مع الجوار العربي لإسرائيل، وخلق تواجد استيطاني يصب في المحصلة بالمشروع الصهيوني ككل، ويؤكد ألون على ضرورة تجنب مناطق ذات كثافة سكانية فلسطينية، وحدد مناطق في الضفة والقدس بعينها لإقامة مستوطنات وقواعد عسكرية وفق متطلبات الأمن فيها.
واستند مشروع أيلون إلى الخطوات التالية:

- تجنب ضم السكان العرب إلى إسرائيل بقدر الإمكان حتى لو أدى ذلك إلى خيار التهجير الفلسطيني عام 1948م لمراعاة الاعتبارات الديموغرافية.

- إقامة حكم ذاتي فلسطيني في الضفة الغربية في المناطق التي لن تنضم إلى "إسرائيل".

- تحديد الحدود الشرقية للكيان بنهر الأردن وخط يقطع البحر الميت من منتصفه مع الأردن.

- ضم المناطق في غور نهر الأردن والبحر الميت بعرض عدة كيلومترات حتى 15 كيلومتراً وإقامة مجموعة من المستوطنات، مع إقامة تجمعات استيطانية في الضفة الشرقية.

ووفقًا لهذا المخطط حتى عام 1977م أي خلال عشر سنوات تم بناء 34 مستوطنة 12 منها في مدينة القدس، أول هذه المستوطنات كفار عتصيون عام 1967م.


مشروع دروبلس للاستيطان في الضفة الغربية 1978
أعد متتياهو دروبلس رئيس دائرة الاستيطان في المنظمة الصهيونية العالمية مخططاً استيطانياً تطويرياً عام 1978 بما ينسجم مع حقائق الاستيطان الذي شُرع به مباشرة بعد عام 1967، هدف المخطط إلى إقامة 70 مجمعا استيطانيا في الضفة الغربية بين الأعوام 1979 و1993 بمعدل 5 تجمعات استيطانية في العام، وزيادة عدد المستوطنين 100 ألف آخرين حتى عام 1986، و800 ألف حتى عام 2010، وحسب ما ورد في مبادئ المخطط فإن "الاستيطان في أرض إسرائيل حق أصيل لليهود، وضمانة طويلة المدى"، ويشير المخطط إلى أن توزيع المستوطنات يجب أن لا يكتفي بمحيط التجمعات الفلسطينية، بل في داخلها أيضاً، ويجب تجميع المستوطنات في كتل مترابطة، بشبكة وبنية تحتية كاملة.

مشاريع شارون الاستيطانية
تبنى وزير الزراعة في حكومة الليكود عام 1978 مشروع العمود الفقري الاستيطاني المزدوج، وهو عبارة عن إقامة عمودين فقريين من المستوطنات في فلسطين خلال عقدين، يمتد الأول على طول السهل الساحلي، بينما يوازيه الثاني ليمتد من مرتفعات الجولان في الشمال، حتى شرم الشيخ على البحر الأحمر، وربط عمود السهل الساحلي وعمود الأغوار بسلسلة افقية من المستوطنات، وبذلك ستكون الضفة الغربية وسط هذين العمودين كجيب عربي محاط بالمستوطنات الإسرائيلية.

وخلال تولي شارون منصب وزير المالية في حكومة شامير سنة 1990، شرع في تطبيق مشروع استيطاني جديد باسم "النجوم السبعة"، ويهدف إلى إقامة سلسلة متواصلة من المستوطنات على امتداد خط الرابع من حزيران 1967، ويهدف المشروع أيضاً إلى إقامة ثلاثة مراكز مدينية كبيرة في الضفة الغربية: الأول على مداخل القدس، والثاني قرب الخليل من أجل دعم مستوطنة كريات أربع، والثالث في المثلث الشمالي للضفة الغربية من أجل الفصل بني سكان الأراضي المحتلة عام 1967 وسكان الأراضي التي احتلت عام 1948

وثيقة المصالح الإسرائيلية في الضفة الغربية
صدرت وثيقة عام 1997 عن مركز بيغن -السادات للأبحاث الاستراتيجية في جامعة بار إيلان بعنوان "خرائط المصالح الإسرائيلية في الضفة الغربية"، تعرض الوثيقة مجموعة من خرائط المصالح "خمسة خرائط" تبين مصالح إسرائيل في الضفة الغربية، وتشير الوثيقة إلى أنه "وللدفاع عن الجبهة الشرقية يجب على الجيش الإسرائيلي الانتشار على طول نهر الأردن والبحر الميت والحفاظ على الطرق الحيوية في حالات الطوارئ"، وفي ما يتعلق بـ"المنطقة الفاصلة على الخط الأخضر" وحتى يتم منع عمليات المقاومة تتوجب السيطرة على المنطقة الفاصلة على طول الخط الأخضر والتي تصل الى 8 كم عرضا في تجمع القدس وغوش دان، وتضيق شمالا وجنوبا بعرض 3كم في منطقة جبل غلبوع في الشمال وفي منطقة بئر السبع في الجنوب .

وللحفاظ على "أمن المستوطنات" في الضفة الغربية يجب فرض السيطرة الأمنية الإسرائيلية على الطرق المؤدية إليها أبرزها الطريق الطولي طريق رقم 60، والطريق العرضي "عابر السامرة الشمالي"، بالإضافة الى السيطرة الاستراتيجية على المواقع على مفترقات الطرق الأساسية الحاكمة.

وهناك خطط أخرى لا مجال لذكرها مثل خطة الخطوط الحمراء، وخطة قيادة المنطقة الوسطى للعمل الدائم، ومشروع نتنياهو – ألون المعدل للعام 1997، وكلها تتقاطع مع الخطط التي تمت الإشارة اليها في فكرة مركزية مفادها السيطرة على الضفة الغربية وتضييق الخناق على الفلسطينيين بحزم استيطانية وحشرهم في أضيق مساحة جغرافية ممكنة.