"شوقٌ مريضٌ لوطنٍ مريضٍ"

"شوقٌ مريضٌ لوطنٍ مريضٍ"

12 اغسطس 2020
بيروت وحطامها: السينما تتلصّص بذعر وانكسار وخيبة (حسين بيضون)
+ الخط -

يستحيل تكثيف المشهد اللبناني الحالي سينمائياً، في لحظةٍ كهذه. التطوّرات، ومعظمها سلبيّ، تتكاثر. الأكاذيب والتلفيقات والادّعاءات لن تُصدَّق لوضوح اهترائها وافترائها وخداعها. الصُوَر الطالعة من الخراب أقوى من اختزالها في كادراتٍ لن تعكس جوهر الحكاية، لشدّة قسوة الحكاية، وألم ناسها وجراحهم. ناشطون فيسبوكيون يستعينون بصُوَر وعناوين سينمائية لتعبيرٍ مختَزل عن موقفٍ إزاء مسؤول أو حزب أو "شبّيح" أو حالة. لجوء يؤكّد قوّة السينما فيهم، وقوّة السينما في قولٍ يتماهى، أحياناً، مع اضطراب وقلق وخوف وغضب وشتيمة ونفور. الركام باقٍ.

الجدران المنهارة تزيّن شوارع وفضاءات وانفعالات مُحبَطة. الحُطام يرتفع على جوانب طرقات معطّلة في مدينة تحاول نهوضاً ولو أنّه معطوبٌ من موتٍ وفناء. الكاميرات الغالِبة فوتوغرافيّة، والسينما تأتي بخجلٍ إلى أمكنة تضمّ في روحها أشلاء نائمين تحت الأنقاض، وخيالات مفقودين يذهبون إلى حتفهم من دون وداع، وسراب مدينة آيلة إلى الأفول. الفوتوغرافيا تحصِّن اللحظة فتمنع غيابها، والسينما تسترقّ النظر بصمتٍ، فالمقبل من الأيام كفيلٌ بفتح الدروب أمام عيون صانعيها وأرواحهم وانفعالاتهم، وبعض العيون دامعٌ، وبعض الأرواح غاضبٌ، وبعض الانفعالات متوتّر، فالألم عظيم. الفوتوغرافيا تريد التقاط الآنيّ قبل تسلّله إلى غيابٍ مرفوض، والسينما تتلصّص كعادتها، لكنّ تلصّصها الآن مشوبٌ بذعرٍ وانكسار وخيبة، وبرغبةٍ في خروجٍ آمن إلى أناسٍ وحالات وتأمّلات.

التجوّل في أمكنة الخراب البيروتي قاسٍ، كقسوة الموت المتجوّل فيها منذ أزمنة وانقلابات ومسارات. حشود تتوقّف هنا وهناك، وتنظر إلى الملموس من المشهد، وتغرق في اللاملموس، وهذا أفظع وأعنف. ينعزل كثيرون عن المشهد، فللقبيلة عندهم أولوية. لكنّ شاباتٍ وشباباً يخرجون من حطام إلى مواجهات وصدامٍ، ويصرخون بأصواتٍ تعلو لإعلان حبٍّ لمدينة، وشوقٍ إلى وطن، ورفضٍ لسماسرة وخانعين.

لكنْ، أيكون هذا "شوق مريض لوطنٍ مريض" (عنوان فيلم لفؤاد عليوان مُنجز عام 1991)؟ أيكون بين الشوق والوطن مسافة مرضٍ ملعون بحبّ ورفض؟

المساهمون