"شطارة البؤس" في خطاب النظام السوري

"شطارة البؤس" في خطاب النظام السوري

19 مارس 2014
+ الخط -

يمكن سرد الكثير عن "تحاذُق" النظام السوري تاريخياً، وتلاعبه بالخصوم والحلفاء. ويُروى أن سفيراً إيرانياً في دمشق، قال لنظيره السوري في نهاية خدمته: "أعرف أنكم بعتم واشتريتم بنا عشرات المرات، ولكن للأمانة، لم تسلموا البضاعة ولا مرة".
وتظهر هذه الشطارة بشكل بائس حينما تتعلق بالشعب السوري وحياته ومستقبله، وبكيان سوريا وهويتها الوطنية والقومية، وهذا ما تجسد من خلال سياسة الانكار والنهج الأمني خلال الثورة السورية. مثلاً، يحرص الاعلام الموالي على اظهار الرئيس بشار الأسد، خلال الازمة المأسوية التي تمر بها البلاد، على أنه مرتاح، ولا شيء يعيقه عن متابعة حياته اليومية كما كانت قبل الازمة. هكذا، يبدأ الرجل نهاره باكراً بممارسة الرياضة، وكأنه رئيس دولة مترفة لا دولة تتفكك، تنهار بالكامل وبشكل يومي. هو الرئيس الذي سبق للمذيعة الشهيرة بربارا والتز أن وصفته، بعدما قابلته، بأنه "منفصل عن الواقع".
كما يروّج النظام أنه لم يستخدم كل قوته العسكرية بعد، وأن الرئيس ليس بحاجة لارتداء البزة العسكرية كما دعاه بعض أنصاره، وأن بعض قادته المؤثرين كشقيقه ماهر الأسد، القائد الفعلي للفرقة الرابعة، "لا يزالون بلباس النوم".
ولكن بعض المقربين من الأسد انتبهوا الى خطورة هذا التقديم، فنصحوه بالمشاركة ببعض نشاطات الإغاثة، وزيارة بعض عائلات المهجرين. لكنّ الصورة ظهرت متعالية وزائفة لأنها ببساطة لا تنتمي الى فكر الأسد وقيمه التي تفيد بأن "مَن لا يؤيدنا هو عدو وحاضن للإرهاب ويجب تسوية مدنه وقراه بالأرض".
يتشاطر النظام كثيراً بالتلاعب بالعواطف، ولا سيما بالعزف على وتر الطائفية والمذهبية والمحاصصة المناطقية، فهو حريص على الإيحاء بأنه متفهم وواعٍ للحساسيات الدينية والجغرافية، ويتعامل معها بشكل أبوي رحيم، كتسويق تعيين نجاح العطار، شقيقة الزعيم التاريخي للإخوان المسلمين في سوريا، عصام العطار، نائباً للرئيس، أو تعيين كندة الشماط في الحكومة الاخيرة كأول وزيرة محجبة بتاريخ الحكومات السورية. وهذه الأيام، يسوّق النظام تعيين امرأة، هي الدكتورة سلمى عياش، معاوناً لوزير الأوقاف.
ويتبع النظام سياسة أنّ الشيطان يكمن في التفاصيل، فلا بد بالتالي من إغراق الناس بتفاصيل تافهة تحرف النقاش عن موضوعه الأساسي الى شكليات لانهائية. وتبرز هذه الحيل عند مناقشة موضوعات أساسية تخصّ مستقبل البلاد، كما حصل عند مناقشة مجلس الشعب التعديلات على قانون الانتخابات البلدية والنيابية والرئاسية، إذ غرق أعضاء مجلس الشعب بنقاش لغوي يتعلق بأساسيات يعرفها طلاب المرحلة الابتدائية.
كما يلجا النظام الى سياسة المزايدة في موضوع ما قيد الدرس، لإخراس الأصوات التي قد تفكر برفع صوتها المعارض، ولقطع الطريق أمام مناقشة أي تفصيل قد تأتي منه ريح مزعجة. وأبرز دليل على ذلك هو النداء الذي أطلقه عضو مجلس الشعب، خالد محمد العلي، أثناء خطاب الأسد في 30 مارس/آذار 2011، مخاطباً الأسد قائلاً: "يا سيادة الرئيس، قليل عليك حكم سوريا، بل يجب أن تحكم العالم"، مما جعل الثوار يكتبون على محطة الوقود التي يملكها النائب: "أنتَ يجب أن تكون رئيساً لمنظمة أوبك".
وطبعا يأتي من يزايد على المزايدين، كما رأينا قبل ايام في اجتماع مجلس الشعب المتعلق بمناقشة وإقرار تعديلات تتيح للأسد الترشح لولاية ثالثة، انتهاكاً لدستور أقره الأسد نفسه، حين أعلن النائب محمد خير الماشي ، وبلغة ركيكة، أنّ انتخاب الأسد سيحصل بنسبة 99 في المئة.
آخر إشارات الهذيان، كانت بإصدار الأسد مرسوماً يقضي باستحداث "وكالة الفضاء السورية"، وهو ما تحول إلى مادة للسخرية ولتعليق الكثير من السوريين على وسائل التواصل الاجتماعي، ممن وصفوا الخطوة بأنها "ناسا السورية للبراميل المتفجرة".

المساهمون