"ساوند تراك": تراث من الموسيقى التصويرية

بالنسبة إلى فنون كثيرة، مثّلت السينما منعطفاً حيث أنها تفاعلت بسرعة معها فمثلاً غيّر التشكيليون من الكثير من تصوّراتهم الفنية، واستفاد الكتّاب من تقنياتها، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسرحيين. أما بالنسبة إلى الموسيقى فالأمر اتخذ شكلاً آخر حيث باتت عنصراً من عناصر العمل السينمائي، بل أن بعض الأفلام كانت مصدر إلهام، أو إطار عمل، لكثير من الأعمال الموسيقية الرائدة، من ذلك موسيقى فيلم "العراب" التي ألفها الموسيقار الإيطالي نينو روتا، أو موسيقى فيلم "زوربا اليوناني" لـ ميكيس ثيودوراكيس.

تحضر مثل هذه المقطوعات الموسيقية في حفل يقام مساء اليوم في "المسرح المكشوف" في "مكتبة الإسكندرية" وتؤدّيها فرقة "أوكسترا ساوند تراك" المتخصّصة في تنفيذ موسيقى الأفلام، ولن يقتصر العرض على موسيقى الأفلام الغربية، حيث أن السينما العربية كان هي الأخرى إطاراً لإنجاز أعمال موسيقية أساسية، وكذلك الأمر بالنسبة إلى المسلسلات التلفزيونية، وهنا تحضر أعمال الموسيقيين المصريين بشكل خاص مثل عمّار الشريعي وحسن أبو السعود وجمال سلامة وعمر خيرت.

تأسّست "أوركسترا ساوند تراك" في عام 2018 بمبادرة من عازف الكمان محمد بركات عازف الكمان، وعازف البيانو أمير عوض، وهي أول فرقة من الإسكندرية متخصّصة في عزف الموسيقى التصويرية للأفلام والمسلسلات العربية والأجنبية، ولعلّ في ذلك مؤشراً للانتباه إلى هذا النوع من الموسيقى وربما المساهمة في تطويره.

وإذا كانت "ساوند تراك" متخصّصة بشكل كامل في موسيقى الأفلام، فإنه من الممكن أن نلاحظ حضور هذا النوع الموسيقي في الكثير من برامج حفلات الأوركسترات الموسيقية الأخرى في العالم العربي، خصوصاً منها السيمفونية، وكثيراً ما خصّصت عروضاً كاملة للموسيقى التصويرية لا تقلّ في التنوّع والثراء النغمي عن تلك التي تؤدّيها لكبار مؤلفي الموسيقى الكلاسيكية من موتسارت إلى بيير بوليز.

يبقى أن الاستفادة من موسيقى الأفلام في عروض موسيقية ينبغي أن يرافقه أيضاً اهتمام بواقع الموسيقى التصويرية في السينما العربية والتي تشهد شيئاً من تراجع التأثير والشعبية مقارنة بما جرى تقديمه في العقود الثلاثة الأخيرة من القرن الماضي. فهل يساهم اهتمام الفرق الموسيقية بهذا الشكل الفنّي في ضخّ الدماء في عروقه من جديد.