"رودان-جياكوميتي": حوار النحاتين المتأخر

"رودان-جياكوميتي": حوار النحاتين المتأخر

14 يونيو 2020
+ الخط -

لم يلتق النحات الفرنسي أوغست رودان (1840- 1917) بـ النحات السويسري ألبرتو جياكوميتي (1901-1966) أبداً، فحين وصل الأخير إلى باريس عام 1922 كان رودان قد مات منذ خمسة أعوام، ومع ذلك فإن حواراً نشأ بينهما تظهره أعمالهما الفنية التي كشفت تأثر جياكوميتي برودان ووجود بعض النقاط المشتركة بين الاثنين.

حول هذه الشراكة الفنية يقام حالياً معرض "رودان-جياكوميتي" الذي افتتح في الثاني من الشهر الجاري في مؤسسة "مابفري" في مدريد، بتنظيم متحف رودان ومؤسسة جياكوميتي في باريس، ويتواصل حتى نهاية أغسطس/ آب المقبل، ضمن شروط احترازية بسبب انتشار كوفيد-19، من حيث أعداد من يسمح لهم بالدخول والالتزام بالكمامات والقفازات والتباعد.

جمع المعرض قائمة من المنحوتات الاستثنائية، ومن بينها بعض من أشهر مجموعات النحاتين مثل "الرجل السائر"، و"شخص واقف" لجياكوميتي، والقديس بطرس لرودان وغيرها من الأعمال، وفي هذا السياق تقول مديرة "مؤسسة جياكوميتي" كاثرين غرانييه، إنه وعلى الرغم من أن العلاقة بين الفنانين واضحة، إلا أنه نادراً ما تم التحقيق فيها أو تسليط الضوء عليها، وهذا ما يحاول هذا المعرض القيام به.

يدخل الاثنان في هذا المعرض في حوار من خلال تسع ثيمات وزعت فيها الأعمال بحسب المواضيع منها: على الطاولة، الموديل والخامة، الحظ، المجموعات، مائتي منحوتة، صور ورسومات، قاعدة المنحوتة، في الاستوديو، الرجل الذي يمشي، السلاسل، النظر إلى الفنون القديمة، وأخيراً التشويه. وعلى الرغم من أنماط هذه القطع المختلفة، إلا أن هناك هدف مشترك واضح ودقيق بينها؛ وأنها "تعكس عواطف الإنسان"، وفق تعبير أمينة متحف رودان يلخص كاثرين شيفيلو في بيان المعرض المنشور على موقع المؤسسة.

وبينما يهتم رودين بالتعبير عن تعقيد الوجود البشري، ينحت جياكوميتي في أعماله هشاشة الإنسان ويصب في قطعه خيبة الأمل والوجودية في فترة ما بين الحربين، فنجد أن وجود الإنسان والحياة هما المصدران الدائمان للإلهام لكلا الفنانين.جياكوميتي في متحف رودان وبين منحوتات أحد أعماله

وُضعت الأعمال ورتبت في المعرض بحيث تبرز، الكيفية التي يمكن بها رؤية الملامح المشتركة بين الاثنين في الأسلوب، مثل الابتعاد عن الأشكال المصقولة وكسر تقليد النحت الذي كان سائداً، وتحويل التشويه المتعمد للملمس والشكل أحياناً إلى علامة هوية، إلى جانب شغف الاثنين بالآثار الكلاسيكية، كما يمكن أن نلمس ذلك في المنحوتات المصرية واليونانية في مقتنياتهما الخاصة.

اعتاد جياكوميتي على القول: "النحت ليس شيئًا إنه سؤال ... لا يمكن الانتهاء منه أو الكمال"، وهذه هي فكرة رودان أيضاً عن النحت، ويعتقد أنها أصبحت جزءاً من تفكير جياكوميتي في النحت في مرحلة مبكرة حين كان تلميذاً لأنطوان بورديل وهو تلميذ رودان.

اهتم النحاتان أيضاً بصناعة السلاسة النحتية؛ نرى ذلك في سلسلة الراقصة اليابانية "هاناكو" التي صنع النحات الفرنسي منها ما يصل إلى 58 منحوتة، والنسخ العديدة التي قدمها جياكوميتي من تمثال نصفي لأخيه دييغو والموديل ريتا جويفييه.

ولكن إذا كان هناك قسم يعكس أوجه التشابه وأيضًا الفترات المختلفة التي تم فيها تسجيل مسارات كلاهما، فقد أفرد له المعرض الجزء الأخير منه، حيث توجد نسختان من "الرجل الذي يمشي" عند جياكوميتي وأخرى عند رودان؛ الأول هو شخصية هشة وبالية، أما اقتراح رودان فكان أن يكون الرجل الذي يمشي بجسد عضلي ولكنه مأساوي في حالة من الألم أو الندم ذراعاه تخفيان ملامحه ورأسه مرمي إلى الخلف في وضع تراجيدي. 

المساهمون