"رد فعل": مخيم اليرموك بالصوت والصورة من موسكو

"رد فعل": مخيم اليرموك بالصوت والصورة من موسكو

31 ديسمبر 2014
حسن يأخذ معه المخيم أينما حلّ (العربي الجديد)
+ الخط -

"رد فعل"، هذا هو اسم التجمع الفلسطيني للإبداع، الذي انطلق في مخيم اليرموك جنوب العاصمة السوري دمشق ببضعة أصدقاء في عام 2009. "هناك لمعت الفكرة، نحن لدينا رسالة نريد أن نوصلها. اكتشفنا بأنه يمكن أن تكون لنا حريتنا وقناة بلا رقابة على يوتيوب". الفكرة جاءت "لمواجهة الواقع بأحلام ومشاريع كبيرة"، يقول المخرج الشاب حسن طنجي.
الناظر إلى حسن طنجي سيتمعن قليلاً في هيئته الروسية، وما إن يبدأ الكلام حتى تندلق كلمات تجبرك على التدقيق أكثر. لكنته الفلسطينية واقتحام "خيا" (أخي) بين جملة وجملة تجعلك متيقناً بأن هذا الشاب، وإن كانت أمه روسية، ليس سوى "مخيمجي" كما يطلق على نفسه. "أمي جاءت مع أبي إلى المخيم منذ 17 سنة. تزوجها في روسيا، فصارت فلسطينية تعيش في مخيم اليرموك"، يقول حسن مستعيداً شريط ذاكرة خاصة.

في عملهم الأول ينقلنا حسن وفريق عمل "رد فعل" من خلال "وجوه من المخيم"، وعلى خلفية صوت ريم بنا يصدح "طير يا هوى سلم على الاحباب... سلم على الايدين سلم على العينين... تحت الجرح شايل فرح"، بين وجوه ناس المخيم، وليس أرقام ساكنيه، من أطفال مدارس وأماكن عمل وشباب يلعبون وجدار تعتليه لوحة فلسطين بألوان زاهية. من سطح عمارة ما تنتقل الكاميرا لنرى من خلالها مقبرة الشهداء "شهداء فلسطين قبل الحصار والتهجير قبل عامين"، يقول حسن. ويضيف "انتقلنا من هذا المكان إلى مخيم برج البراجنة ليكون لوجوه أهله حيزاً، وكنا ننوي أن نأخذ وجوه كل المخيمات. المخيم مكان وبشر. أرشيف حياة وموت وتهجير".

قبلها، كان حلم حسن بسيطاً جداً "كنت أذهب إلى دورات الأونروا في المونتاج والغرافيك وحلمي أن أقتني كاميرا... حلم كان كبيراً، اشتغلت في الدراما السورية وحققت ذلك الحلم. صرت أنزل لنصور وجوه الناس في المخيم".
كان ورفاقه، قبل أن يُقتل من قتل ويهجر من هجر، يستغلون كل فعالية ليجري تصويرها وتصوير وجوه الناس. يقول حسن: "كنا نشارك في حملات تنظيف المخيم ونصور الناس. وحين حضر النازحون المهجرون إلى مخيمنا في 2012 نتيجة تهجيرهم من مناطق سورية أخرى كنا في مدارس المهجرين، نقدم مسرحاً لإدخال الفرح في قلوب الأطفال. مشكلتنا أنه كان مطلوبا أن نصمت. وأفلامنا القصيرة التي أنتجناها لم تعجب السلطة... السلطة بالمطلق أي سلطة كانت".



ذاكرة حسن العاشق للفن تأخذنا، ومثله ذاكرة رفيقه الراحل حسان، إلى ماضٍ قريب، وإن بدا بالنسبة له دهرا. فالمخيم هو "المكان" الذي لعب دوره في تكوين شخصية هذا الشاب وبقية الشباب ممن عشقوا دورهم في اختيار طرقهم الخاصة "لإرسال الرسائل، فأنت فلسطيني ولست فلسطينياً... فلسطيني في المكان وإن لم أكن كذلك بالنسبة لهم خارجه، لأني لم أر فلسطين. لكنك ورغم أنه تجري في عروقك دماء روسية لا تشعر سوى أنك فلسطيني. المكان طغى على كل ما عداه. المخيم يصقلك حتى لو لم تكن فلسطينياً، وبهذا المعنى صارت أمي الروسية فلسطينية من اليرموك".

تختار مجموعة "رد فعل" أن تستغل حريتها. فراحت تقدم فناً ساخراً متجاوزة كل معوقات التكنولوجيا. وحين كان الأسلوب الساخر والتهكمي يطرق على حالة الحصار التي تعرض لها مخيم اليرموك منذ ما قبل تهجير سكانه قبل عامين، كان لذلك الأسلوب تأثير، بحسب حسن، "فحين وقف حسان حسان أمام الكاميرا ليقول ما قاله، فإن الأمر مرتبط بحريتنا بألا نسكت. أردنا أن نتحدث بلا صراخ وكان أبو غابي بموسيقاه يضفي جمالاً على ما أردنا قوله".
حسان حسان، المخرج والفنان الشاب الذي اعتقل وقتل تحت التعذيب، يخنق صوت رفيق دربه حسن طنجي وبألم ينتقل ليخبرنا: "أنا على يقين بأن حسان شكل بعمله خطراً أكبر من خطر السلاح، عملنا كان يثير العقل ويثوره حين يشير إلى مكامن متناقضات تتصادم مع الحرية. فعمل "على هوى الحصار" يفضح القصة، فنحن لسنا أفغاناً ولم نكن إرهابيين ولم نحتضن أحداً. وبتلك الكلمات ربما كانت نهاية حسان. وبالنسبة ولغيري من فريق عملنا، لم يأت قتل حسان حسان ليجعلنا نجبن، بل ازددنا إصراراً لأننا أدركنا بأن كلمتنا المنقولة بطريقتنا تخيفهم، وهو شكل حالة لدى الشباب الفلسطيني في المخيم".

في ذلك العمل "على هوى الحصار" يقف حسان حسان بنفسه أمام الكاميرا ليفند بطريقة ساخرة ما كان مطروحاً عن "احتضان المخيم للمسلحين" وعن كلام ليلى خالد عن الأفغان في مخيم اليرموك وعن مطالبة الناس للفصائل الفلسطينية بالتدخل.

يتحدث حسن طنجي عن "رد فعل " كمساحة متاحة للشباب "للتعبير عن أنفسهم وتطوير قدراتهم، سواء كنت فلسطينياً أم لا، للوصول إلى الناس حيث هم". ولم يكن مشروع هؤلاء الشباب، بحسب ما يقول حسن، يسعى إلى ربح مادي بقدر ما هو "رد فعل" على كل الواقع "الذي يراد لنا أن نبقى فيه بلا حراك، نحن تفاعلنا مع الثورة السورية ومع الربيع العربي فوراً، فآمالنا وطموحاتنا واحدة كشباب عربي أينما كنا... لدينا طموحات كبيرة لكننا بلا دعم ونحن نستخدم ما نستطيع من أدوات بسيطة غير مكلفة... ليس هناك ذاكرة حقيقية لما قبل نكبتنا... لا نريد أن تتكرر الحالة".

"هل أثرت الجغرافيا، ببعدها المسافي عن المخيم، على من خرج منه؟"، يتساءل حسن ويجيب "كان قاسياً جداً أن تغادر المكان، لكني سرعان ما اكتشف حين خرجت أمي من حصار المخيم بأن المكان موجود أينما خذته معك. هو (المخيم) موجود هنا في رأسي بكل حاراته وبصوره وبشره. نحن لم نتوقف ورد فعل ما يزال في المكان، وقبل شهر فقط انتهينا من فيلم أبو غابي وصور في المخيم رغم أنه خارج المخيم. عبر التقنيات المتاحة نقيم دورات مونتاج وإخراج وتصوير وننتج من داخل المكان. وشكراً للقرن الحادي والعشرين أننا لم ننكب في الحرب العالمية الثانية. شكرا للتكنولوجيا التي جعلتنا موجودين".

والدة حسن الروسية مصممة أزياء، تحيك له كنزة من الصوف مزركشة على الصدر بخارطة فلسطين على الجهة اليمنى موصولة بخيط من قياس النبض أتياً من يسار وسط صدره "إنها نبض الحياة لأبقى دافئا في برد موسكو. هي أمي تعرف ما تعنيه فلسطين ويعنيه المكان لي. قلت لها لن أصبح لاجئاً للمرة الثالثة، أرفض أن أصير لاجئا. أنا أحول هذا المكان (موسكو) إلى مخيمي...".

يصمت قليلا ثم ينفجر حسن بلا توقف: "أنا مخيمجي وأطلب من كل فلسطيني أن يخبر العالم حيث يصل بمن هو ولماذا هو بينهم. نحن أحلامنا كبيرة وإرادة الشباب أكبر مما يظن البعض. يسألني الناس هنا: من أين أنت... بلا تردد أقول فلسطين... وحين يتلكؤون، أقول لهم: أتعرفون إسرائيل؟ هي تلك التي نقاتلها لأجل حقنا... عندها فقط يدركون من نكون. لكنه سؤال استهلالي لأن سورية تكون حاضرة لأنك أيضا منها. ما أفكر به هو أن نكون أينما وصلنا نحن الشباب أن نصنع أزمة لبي بي سي وسي إن إن وغيرها. أزمة بمعنى أن نكون نحن من ينقل من نكون ولا نترك لهؤلاء أن يقولوا من نكون بأهوائهم. ليس عندنا مشكلة أن نكون فلسطينيين روسا وبريطانيين وسويديين... إلخ... المهم أن فلسطين تنبض حياة وضجيجاً بنا وبكل الإمكانات المتاحة لنا...".

المساهمون