"ذا تالنت": مسابقة غنائية أم منافسة "لايكات"؟

"ذا تالنت": مسابقة غنائية أم منافسة "لايكات"؟

14 سبتمبر 2019
لجنة تحكيم تقودها نوال الزغبي (Getty)
+ الخط -
لم تعد برامج اكتشاف المواهب في العالم العربي تحظى بالشعبية والمتابعة التي كانت تحظى بها قبل أعوام، بسبب نفور المُشاهد من التكرار الذي يعيب هذا النوع من البرامج، وتتالي المواسم من دون أي تجديد أو تغيير يُلمس، خصوصاً أن الجمهور يدرك أن قسما كبيرا من تلك البرامج مستنسخ عن برامج أجنبية، ما يجعل المتابع العربي في موضع مقارنة دائمة بين جودة البرامج الأجنبية ومحتواها الترفيهي، وبين نسخها العربية التي يسودها التملق والاصطناع؛ فأغلب الفنانين العرب المشاركين في تلك البرامج كأعضاء في لجان التحكيم، يحاولون طيلة الوقت تصدير صور مصطنعة عن أنفسهم؛ الأمر الذي يفقد البرامج مصداقيتها ومهنيتها.
منذ أشهر، طرحت شركة "روتانا" برنامجا جديدا للمواهب، حمل عنوان "ّذا تالنت" The Talent، وتم إطلاق حملة إعلامية كبيرة له على اعتبار أنه الأول من نوعه المخصص للمواهب على شبكة الإنترنت للهواة في العالم العربي، إذ يعتمد هذا الإصدار، في المشاركة والتصويت والعرض، على وسائل التواصل الاجتماعي حصراً.
تبدو فكرة البرنامج ذكية، خاصة أنها توفر الفرصة لعدد كبير من الأشخاص الذين لديهم الرغبة في الاشتراك في مثل هذا النوع من البرامج، لكن الحدود الجعرافية والتكاليف المادية الباهظة للسفر تقف عائقا أمام مشاركتهم، ولا سيما الفلسطينيين الموجودين في غزة، أو السوريين الذين يُفرض على حركتهم عدد كبير من القيود؛ لذلك فإن ابتكار شركة إنتاج فني برنامجاً يدعم المواهب الفنية لمنصات بديلة، هي فكرة تواكب الحداثة، وتلائم ظروف الإنسان العربي اليوم، الذي بات شديد التعلق والتفاعل مع تلك المنصات. لكن المقدمات النظرية للبرنامج لم يتم تتويجها بالشكل المنتظر، لأن The Talent كان نسخة شاحبة من برامج المواهب، تعيبه العديد من المشاكل التقنية والفنية.
المشكلة الأساسية هي محاولة خلق برنامج للمنصات على وسائل التواصل الاجتماعي بنفس معايير ومفاهيم البرامج التلفزيونية، من دون مراعاة وجود فوارق عديدة بينهما. مثلاً، في الحملة الترويجية للبرنامج، كانت هناك فيديوهات لتعليم الراغبين كيفية الاشتراك وتسجيل فيديو سيلفي لهم بطريقة تضمن صورة وصوتاً واضحين للمشترك. في ما بعد، بدأ أعضاء لجنة التحكيم ينشرون فيديوهات مصورة بطريقة تلفزيونية منمقة لا تعتمد طريقة الـ "سيلفي"، وإنما ضمن استوديو متكلف يفتقد البساطة، لتبدو هذه الفيديوهات متعالية على فيديوهات المشاركين بالبرنامج، خاصةً الفيديو الترويجي لنجمة لجنة التحكيم، نوال الزغبي، إذ تم نشر فيديو يجمع بين ثلاث أغنيات لها، تظهر فيه لتعرّف عن نفسها كعضو بلجنة التحكيم في البرنامج، وتسوّق للقبها الجديد، "النجمة الذهبية".
قد يرى البعض أن تصوير لجنة التحكيم بشكل احترافي ومعايير تلفزيونية هو أمر جيد، ويضفي على البرنامج نكهة خاصة، كأن لجنة التحكيم تناقش أداء المشتركين بنسخة تلفزيونية؛ إلا أن ذلك لا ينطبق على "ذا تالنت"، فلجنة التحكيم لا تجتمع بفيديو واحد، وإنما كل عضو بها يظهر وحيداً في الشاشة، ليبدو اختلاف معايير التصوير مجرّد تعالٍ غير منمق. يفتقر البرنامج إلى البساطة من ناحية، ومن ناحية أخرى يفتقر إلى ردة الفعل المباشرة مع المشتركين التي كنا نشاهدها في برامج المواهب على التلفزيون، إذ تعرض هذه النسخة مجموعة قليلة جداً من الفيديوهات التي تُظهر رد فعل أعضاء لجنة التحكيم، وكل منهم بشكل منفصل يعلّق على فيديوهات لمشتركين عشوائيين. الأسوأ، أن ردود فعل أعضاء لجنة التحكيم تبدو بهذه الفيديوهات مفتعلة ومزيفة، وتتضمن كلمات جارحة تهين بعض المشتركين، ويبدو ذلك واضحاً بالفيديو "ري آكشن" الخاص بالملحن محمد رحيم.
لا تقتصر مشاكل البرنامج على طريقة العرض والتفاعل ما بين المشتركين والحكّام، بل هي تبدأ من لجنة التحكيم، التي تتألف من النجمة نوال الزغبي والملحن محمد رحيم والمغني عبد الفتاح الجريني والممثل طوني أبو جودة، ومقدم البرامج فيصل الزهراني. هذه الأسماء التي اجتمعت لتقييم المشاركين يبدو بعضها غير منطقي، فما سبب وجود ممثل ومقدم برامج في لجنة برنامج يحتضن مواهب الغناء؟
كذلك، فإن دور لجنة التحكيم محدود للغاية، فهم يختارون المنافسين في البداية، وبعدها يتركون الموضوع بيد الجمهور الذي يقوم بالتصويت، أو بالأحرى لعدد من يعجبون بالفيديو على التطبيق. هذا الأسلوب الذي لا يبدو مهنياً، سيترتب عليه المزيد من الأزمات، منها أن الجمهور، وفقاً لآلية العرض الموجودة، سيختار غالباً المشارك الذي شارك التطبيق على صفحته، وبالتالي سيربح بالنهاية من لديه قاعدة شعبية أكبر على مواقع التواصل الاجتماعي؛ وبالتالي فإن البرنامج لن يصنع نجما، بل هو ليس سوى طريقة للتعاقد مع نجم لديه عدد كبير من المتابعين. 
هذا يجعلنا نسأل: ما الذي يقدمه هذا البرنامج للمشاركين، الرابحين والخاسرين؟ فالمشتركون لا يتلقون فيه دروساً في الغناء ولا يحصلون على إرشادات لتحسين أدائهم، كما هو الحال في برامج "سوبر ستار" و"ذا فويس" و"ستار أكاديمي" وغيرها. ولن يحصلوا على المزيد من المتابعين إن لم يتمكنوا من الربح في مسابقة "اللايكات"، بل على العكس، إن البرنامج والتطبيق يحاولان قدر الإمكان الاستفادة من جمهور المشاركين، من خلال إقحامه لإعلانه الخاص بكل فيديو يحمله مشترك. هذه التفاصيل تجعل البرنامج يبدو متواضعاً بشكله ومضمونه. وذلك ما يجعل من اشتراك نجمة بحجم نوال الزغبي كعضو لجنة تحكيم فيه أمراً غريباً.

المساهمون