"داعش" بين أميركا وإيران: الشيطان الأكبر أصبح أصغر

24 اغسطس 2014
عناصر من البشمركة في طريقهم لقتال "داعش"(أحمد الربيعي/فرانس برس/Getty)
+ الخط -
نجح تنظيم "الدولة الإسلامية"، (داعش) الذي يهدد أمن العراق وسورية والمنطقة ككل، في جمع عدوين تاريخيين، أي طهران وواشنطن اللتان مرت علاقاتهما الثنائية بمطبات وأزمات سياسية ودبلوماسية كثيرة، ولا سيما بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران قبل أكثر من ثلاثة عقود، إذ تتقاطع مصالح الدولتين اليوم معاً في ضرورة محاربة التنظيم الذي يعادي كليهما.

وبدأت الأزمة بين البلدين مع اقتحام طلاب إيرانيين لمبنى السفارة الأميركية في طهران واحتجاز من فيها لأكثر من سنة وإطلاق أزمة (الرهائن) الأميركيين، في وقت تحدث فيه الإيرانيون عن كشف وثائق في السفارة تثبت أنها كانت "وكراً للتجسس على إيران" في زمن الثورة، وتؤكد أن الولايات المتحدة كانت تدعم الشاه محمد رضا بهلوي، لقمع "الثورة الشعبية" التي أصبحت تسمى "الثورة الإسلامية" فيما بعد.

ومنذ تلك الأيام، أصبحت الولايات المتحدة "الشيطان الأكبر" بالنسبة لطهران، فهي التي يرتبط اسمها بنظام الشاه، ولكن مصالحهما تتقاطع اليوم، في إنهاء تقدم تنظيم "الدولة الإسلامية".

وبالنسبة لطهران، فإن "داعش" يهدد استقرار العراق الواحد الذي يقف على شفير حرب طائفية سنية ــ شيعية، وهو ما لا يصب في مصلحة الجمهورية الإسلامية الممتدة على حدود العراق الشيعي من جهة، والسني من طرف الأكراد الذين سيطالبون بالاستفتاء على استقلال إقليمهم من جهة ثانية، وهو الإقليم المتموضع إلى جانب أكراد إيران.

أما بالنسبة للولايات المتحدة، برئاسة باراك أوباما، التي تحارب وتقصف علناً مناطق يسيطر عليها التنظيم، لكنها تتجنب التورط مجدداً في العراق على غرار ما فعله الرئيس الأميركي السابق، جورج بوش الابن، فقد ذكرها "داعش" بحركة "طالبان" وبتنظيم "القاعدة"، والذين قضّ أتباعهم في العراق وأفغانستان مضجع الأميركيين.

وقد يبدو مما سبق أن هذا التقاطع يسمح باتفاق بين البلدين على التوجه نحو تعاون للقيام بحرب شعواء مشتركة تنهي وجود التنظيم من أساسه، ولكنها معادلة تبتعد قليلاً عن الواقع الإيراني في الداخل الذي يحكم أي تحرك خارجي، فيبقى الاتفاق خلال هذه المرحلة اتفاقاً ضمنياً يصاغ بتقاطع المصالح، من دون مد الأيدي عملياً وبشكل ظاهري من قبل أي طرف منهما نحو الطرف الآخر. في طهران، زادت الأحاديث والتكهنات حول اتفاق إيراني أميركي منذ وصول الرئيس "المعتدل"، حسن روحاني، إلى سدة الرئاسة، فهو صاحب خطاب "الدبلوماسية والحوار".
وما زاد من هذه التكهنات، هو الاتصال الهاتفي بينه وبين أوباما على هامش اجتماع الجمعية العمومية للأمم المتحدة في نيويورك العام الماضي، ليكون التواصل الأول بعد قطيعة لعقود. وتضاعفت التوقعات بمجرد أن نشط التنظيم على الأراضي العراقية وبدأ بالسيطرة على الكثير من المناطق هناك.

وعاد كثيرون ليتحدثوا عن أن إيران قد تعقد صفقة مقايضة مع واشنطن، يتعاون فيها الطرفان في القضاء على تنظيم "داعش"، مقابل تقديم تنازلات أميركية لإيران في الملف النووي، كإلغاء الحظر بالكامل عن إيران، وتسهيل التعامل معها على طاولة الحوار التي ستستأنف شهر سبتمبر/أيلول المقبل بين طهران والدول الست الكبرى.

وما زاد من هذه التوقعات هو أن البلدين جلسا فعلياً على طاولة حوار واحدة في وقت سابق لمناقشة قضايا تتعلق بقضايا المنطقة، ونتذكر هنا الحوار الثنائي في بغداد حول القضايا الأمنية العراقية، والذي لم يؤدِّ إلى نتيجة تؤرخ لانعطافة في علاقاتهما المتوترة، في وقت تأزم فيه كذلك الحوار حول النووي الإيراني، وذلك في زمن الرئيس المحافظ السابق، محمود أحمدي نجاد، والرئيس الأميركي الجمهوري السابق، جورج بوش.

وحتى إن خطر التعاون مع واشنطن بشأن مواجهة "داعش" على بال السياسيين الإيرانيين من المفاوضين والمقربين من خطاب الحكومة الفعلية، إلا أن مثل هذا القرار في إيران يعود للقيادة العليا. ويحتاج أي تحرك إيراني علني نحو الولايات المتحدة الأميركية، لضوء أخضر من المرشد الأعلى بالذات، حتى وإن كان المقابل تساهلاً في الملف النووي، وإنهاء العقوبات التي أثقلت كاهل الجميع في إيران. وقد حسم المرشد الأعلى، علي خامنئي، الأمر، عندما قال صراحة إنه "لن يكون هناك تعاون واتفاق بينهما، وهو ما أسكت توقعات الإيرانيين وتوجه بعضهم نحو دعم الحوار مع أميركا".

وفي وقت سابق، قال مستشار المرشد للشؤون الدولية، علي ولايتي، عن التعاون مع واشنطن فيما يخص العراق والحرب على "داعش"، إن "إيران وأميركا تتقاطعان في المصالح، ولكنهما لن تعملا معاً"، وهو ما سيبقي الاتفاق في مرحلته الضمنية غير العملية، وسيمنع الحكومة برئاسة روحاني من القيام بأي خطوة عملية في هذا الاتجاه خلال المرحلة المقبلة. ولكن طهران وواشنطن تعملان فعلياً وإن بشكل منفصل، على تحقيق المصلحة المشتركة بينهما، فطهران تعمل على دعم الجيش العراقي من جهة، وتدعم قوات البشمركة الكردية التي تلقى دعماً أميركيا معلناً، وتم تسليحها في وقت سابق، ما يعني دعم كل الجبهات ضد "داعش" من جهة إيرانية وأميركية.

وتبتعد المؤشرات في الداخل الإيراني عن التوقعات خارجه، فالبلاد اليوم تبحث عن "انتصار نووي"، وهو أمر يرى كثيرون أنه وشيك، وفي المقابل لا تريد تقديم تنازلات علنية واضحة لواشنطن خلال هذه المرحلة.

يبقى الترجيح حالياً أن تتم محاربة تنظيم "الدولة الإسلامية" أميركياً وإيرانياً، كل على حدة، بما أن الأمر يحقق مصلحة الطرفين، ولكن يبقى الخيار مفتوحاً على تعاون ثنائي معلن، في حال تعقدت الأوضاع في العراق، وتقدم التنظيم في الأراضي العراقية، أو في حال تعقدت المفاوضات النووية، ولكن هذا الأمر يحتاج لأشهر كي تبدو الصورة أوضح.