"خضر عدنان" المقدسي... أسيراً في خدمة الأقصى

"خضر عدنان" المقدسي... أسيراً في خدمة الأقصى

25 فبراير 2016
العويوي قضى 43عاماً في جنبات الأقصى وزواياه(العربي الجديد)
+ الخط -

"بكيت يوم تقاعدي، حزّ في نفسي كيف أترك غرفة الأذان بين ليلة وضحاها!"، أذان طالما صدح به من المسجد القبلي في الأقصى، في مكان "لا يمكن أن أتناساه أو أنساه أو أبعد عنه" كما يقول. هو عدنان العويوي، أو الذي يلقب بالشيخ "خضر عدنان" المقدسي، نسبة للأسير الإداري الفلسطيني الذي خاض إضراباً طويلاً عن الطعام للإفراج عنه، ولا يزال صوت العويوي الرخيم، يحمل ألما بعد خمس سنوات من تقاعده، ويضفي حزناً وأحياناً بكاءً على قسمات وجهه، بعد بلوغه 67 عاماً لإنهاء عمله في أولى القبلتين بعد 43 عاماً قضاها في جنباته وزواياه.


"حياتي كلها في الحَرَم" يؤكد العويوي (72 عاماً) الذي بدأ عمله فيه حارساً، كان ذلك في يونيو/حزيران 1968، واصفاً ذلك اليوم: "كان يوماً شاقاً، كان يتردد على الأقصى أناس كثر من يهود وأجانب، أشبه بنشوة النصر لدى الاحتلال الإسرائيلي"، واقتصرت المشاكل التي واجهها حينها على الآداب، كإخراج سائح يدخن أو يعانق صاحبته أو يحمل خمرة.

وعن اقتحامات المستوطنين حينها قال: "كانوا يتسللون فرادى بين السيّاح ويتجمعون في مكان، أما اليوم فيدخلون على شكل مجموعات"، مشيراً إلى ظهور المتطرفين بشكل جليّ بعد عشر سنوات من عمله في الأقصى محاولين أداء طقوس دينية في الباحات، مضيفاً: " لم نكن نسكت، ونبذل كل جهدنا لوقفهم عن أداء طقوسهم وطردهم من المكان".

وبعدها انتقل العويوي لقسم الإطفاء لثلاث سنوات ومن ثمّ لازم العمل في الأذان طوال 30 عاماً، مؤكداً: "كنت أؤذن تطوعاً، لكن 30 عاماً كوظيفة رسمية"، مستذكراً أذانه الأول في الأقصى بضحكة كست تفاصيل وجهه، وهو ابن 14 عاماً قائلاً: "كلفني المؤذن بالأذان بدلا عنه، كان ذلك على مئذنة باب الأسباط من دون ميكروفون، صعدت درج المئذنة الملتف، وما إن وصلت حتى انقطع نَفَسي، ثم انتظرت فأذّنت كنت خائفاً وصوتي يرجف".

أذان لا تغيب عنه المناسبات
كانت أمنية الشيخ العويوي أن يصبح مؤذناً في الأقصى، معتبراً ذلك "وساماً ربانياً" يفتخر به، فقد تسلم أذان الفجر والمغرب والعشاء، وفي أذان الفجر له حكايات، إذ يملأ الدقائق العشر التي تسبق الأذان، بآيات تسبيح حيناً أو قصائد أو بالصلاة على النبي محمد حيناً آخر.

وحين تسأله عن تلك المدائح والتسبيحات يجلب دفترين يحتفظ بهما حتى يومنا هذا، استنفد كل صفحاتهما بخط أبيات شعر وخواطر لشتى المناسبات، هنا تقرأ قصائد محمدية وصفحة أخرى تحوي قصيدة "متى تغضب؟!"خط عليها "غزة" كان ذلك لحرب غزة يوضح العويوي، وفي صفحة أخرى للترحيب بشهر رمضان وأخرى لوداعه، ولا تغيب أبيات "ما العلم والعلماء إلا منّة.. جادت بها كرماً يد المنّان"، ويعقّب: "هذه عند امتحانات الطلبة كنت أقولها، فضلا عن الدعاء للطلبة والشدّ من أزرهم"، أما في موسم الحج فكانت دموعه تسبقه حين كان يلقي "يا راحلين إلى منى بقيادي.. هيجتمُ يوم الرحيل فؤادي".

وفي مناسبة قبيل الفجر، عند اعتداء قوات الاحتلال البحرية على سفينة مرمرة التركية في عام 2010، انفعل حينها الحاج العويوي كثيراً وفاض لسانه بالدعاء، مما أدى إلى استدعائه للتحقيق من قبل قوات الاحتلال، "اتهموني بالتحريض" أوضح العويوي، مضيفاً: "طلبت منه جلب الحاخام عوفاديا يوسف حينها لسؤاله عن شتائمه للعرب، فضلا عن جماعة مائير كهانا المتطرفة لسؤالها عن أفعالها حيال ممتلكات الناس وضربهم أثناء تجوالهم في البلد، لمعرفة من هو المحرّض!".

ولا ينسى العويوي موقفا آخر حين طُلب منه تأخير الأذان، قائلاً: "طلب مني مدير الارتباط بين الأوقاف والشرطة الإسرائيلية أن أؤخر الأذان دقيقة أو دقيقتين، بسبب خطاب لبيريس في ساحة البراق، لم أطعه ورفعت الآذان في حينه فثار غضبه".

وعلى مدار 30 عاماً لم يخطأ الحاج العويوي في وقت الآذان، معلقاً: "من حمد الله لم أؤخر أو أقدّم الوقت، كنت أنام بجانب الميكروفون عند الفجر وأستيقظ قبل ساعة من الأذان خوفاً من إضاعته".

بعد التقاعد... تطوع

وقد ارتبط صوت الحاج العويوي بآذان وقلوب المصلين في الأقصى، فمن جهل اسمه لا ينسى صوته، تقول إيمان أبو أرميلة:" صوته في أذني، جميل فيه خشوع، ابني يقلّد صوته، الذي بات مرتبطاً بعباداتي ووجودي في الأقصى".

فيما يستذكره الحاج إبراهيم حمادة بتسبيحاته قائلا: "اعتاد الناس عليها قبل الأذان"، هذا واعتبرته أم أحمد عابدين: "تراثاً دينياً أصيلاً في الأقصى، خاصة في رمضان وقبل صلاة الفجر له أدعية وموشحات معينة"، فيما يؤكد محمود صيام: "توجد أصوات جميلة في الأقصى، لكن لديه بحة مختلفة، نشتاق له ولصوته".

اليوم في بيته الكائن في حي الصوانة في القدس، يدرّب مالك ابن اخيه صاحب الصوت الجميل على الأذان، "علّه يكمل بعدنا ويؤذن ويلقي القصائد في الأقصى" يقول الشيخ العويوي، عائداً إلى يوم تقاعده في عام 2011 :"طلبت من دائرة الأوقاف الإسلامية أن يعطوني كتاباً يسمح لي برفع الأذان في الأقصى تطوعاً، وكان ذلك، واعتبرته تكريماً لي بعد هذه السنوات".

ومنذ ذلك الوقت حين تسمح صحة الشيخ ويُرى داخل المسجد يقدّمونه للأذان، فرغم مشهد اقتحامات المستوطنين التي "تقهر" الشيخ العويوي إلا أن دخول الأقصى يشعره بالراحة والفرح، ففي نهاية العام الماضي كان آخر مرة صدح فيها صوته في الأقصى، أما في شهر رمضان فيعكف على البقاء في الحَرَم منذ صلاة المغرب وحتى الفجر، ويؤذن ويبلّغ وراء الإمام متى ما أتيح له ذلك تطوعاً وحبّاً، متمنّياً: "حسن الختام والوفاة على الإيمان ورؤية فلسطين والأقصى محررين".

(فلسطين، القدس المحتلة)

المساهمون