Skip to main content
"حُبلى في الخامس".. العرض ما يزال في النوايا
رولا الحسين
(مشهد من العرض)

"حبلى بالخامس" (أي بالشّهر الخامس) هو عنوان مسرحية من تأليف وإخراج غبريال يمّين وبطولة ندى أبو فرحات التي احتلت صورتها بوستر المسرحية وهي تكشف عن بطنها المنفوخ، فيبدو واضحًا للمشاهد أن المرأة حامل بالفعل وعلى الأرجح في شهرها الخامس كما قد يوحي حجم بطنها.

قبل مشاهدة العمل، الذي تُختتم عروضه على مسرح "مترو المدينة" اليوم في بيروت، يظن المرء بعد أن تأكد من حمل أبو فرحات فعلًا بأنّها قرّرت أن تقوم بتمثيل عمل يحاكي الحالة التي تعيشها أو عمل تستلهم من خلاله، فنيًا، تجربتها. وبما أن المسرحية كوميدية وفيها ممثلة حامل تقوم بدور امرأة حامل؛ ففكرة أن يكون العمل أميل إلى stand up comedy  لا تكون مستبعدة كونها في الأغلب تستند على تجارب وتفاصيل شخصيَّة، خصوصًا أن موضوع الحمل هو موضوع هذه الكوميديا السوداء كما يعلن البوستر.

عندما تبدأ المسرحية، تكون كلير، المرأة الحامل والشخصية الأساسية في العرض، تجلس وتدير ظهرها للجمهور وهي تتفرج على فيلم زفافها.. وتبكي. تدير ظهرها لاحقًا لنا وتبدأ برواية حكايتها: الفتاة الصّغيرة التي شاهدت أهلها وجيرانها وهم يمارسون الحب أو الجنس أو بعضهم يعنف بعضهنّ، الفتاة التي شعرت أنّها مختلفة لأنها وجدت نفسها لا تحب فكرة الزواج ولا تكوين أسرة.

يطلّ أثناء رواية قصّتها لنا بين الحين والآخر ممثلون مساندون لأبو فرحات (زينب عسّاف، أسامة العلي، جويس أبو جودة) يكملون ما ترويه عبر مشاهد؛ يلعبون أدوار شخصيّات عديدة (الأم، الأب، الزّوج، العرسان، الخوري، الراهبة، الطبيبة النّفسية، الطبيب النسائي). يتفاوت أداء الشخصية الأساسية والشخصيات الأخرى، وفي كل الأحوال يكون لصالح الشّخصيات الأخرى، فالأخيرة تبدو أكثر تماسكًا نصًّا وتمثيلًا من أداء ندى أبو فرحات ونصوص مشاهدها.

كأن المخرج والمؤلف اهتم بإخراج أداورهم وكتابة نصوصهم وترك مهمّة نص ودور أبو فرحات لشخص آخر، ربّما لها هي. فشخصية أبو فرحات تحضر فقط من خلال روايتها لتفاصيل حياة هذه المرأة التي ستصبح حاملًا في نهاية المسرحية دون أي أداء مميّز.

تستخدم وهي تروي قصّتها أحيانًا (في البداية والنّهاية) صوتًا وإلقاءً شاعريًا، خاصّة عندما تضع يدها على بطنها محادثة الجنين داخله ومعلنة عن خوفها من قدومه. يتأرجح النّص بين نكتة قديمة جدًّا من إحدى مسرحيًات زياد الرّحباني وبين موشّح لجبران خليل جبران عن الأولاد الذين هم أبناء الحياة، مستعينًا بنكات تعتمد على اللعب على الكلمات، وأمثلة لمواقف مكرّرة جدًا في أفلام مصريّة، ونكات على الفيسبوك، ومزاح ساخر بين أي مجموعة فيها استحضار لموضوع الزواج وتقاليده (الزّوج الذي لا يهتم إلا بمتعته هو، الأم التي تريد تزويج ابنتها بأقصى سرعة كي لا يتحدّت عنها أهل الحي..)

أما عسّاف والعلي وأبو جودة، فعرفت مساحات أدوارهم حضوراً أكبر للتمثيل والكوميديا، وبقيت الشّخصيات التي قام كلّ منهم بتأديتها محافظة على سياق واضح (وإن وصلت شخصية الأم التي أدّتها زينب عسّاف إلى حدود الكاريكاتورية، حتى بملابسها)، بعكس شخصية كلير التي أحيانًا تعلّق أو تمزح بكلام لا يمكن أن يصدر عن الفتاة التي بقيت ساذجة حتى بعد زواجها.

تخبرنا كلير في المسرحية عن يوميّات فتاة ساذجة لم تعلّمها والدتها أي شيء عن الحياة، حتى أنّها تعرّفت على ما تعنيه العادة الشّهرية من قبل الرّاهبة في المدرسة، ولم تكن تعلم ما ينتظرها في ليلة الزفاف.

تعيش هذه الفتاة في منزل للأم فيه سلطة كبيرة على الأب والابنة. تذهب إلى مدرسة متزمّتة، الجميع من حولها يطلبون منها أن تتعقّل وإلا سيقول عنها الجميع إنّها مجنونة، علمًا أن كل ما عرفناه عن "جنونها" أنّها لا تحب الزّواج.

تكبر هذه الفتاة ولا تزال عائلتها تراها مختلفة لأنها لم تتزوّج بعد، فتقرر أن تزور طبيبة نفسية لتكشف لها عن محاولاتها الفاشلة في التقرب من الرجال من حولها، تطلب نصيحة صديقة قديمة فيتبيّن فجأة من خلال أسئلتها أنها أنضج من تلك، ثمّ تقرّر العائلة تزويجها لعريس فترضخ.

ما يعني أن المسرحية عبارة عن طرح وضع امرأة يفرض عليها مجتمعها وعائلتها أن تتزوج لتكون كغيرها من النساء. وإن لم تفعل فستكون مختلفة ومجنونة. وعندما تفعل، تكون مع زوج لا يتفهم حاجاتها وكل ما يعنيه هو إشباع رغباته وأن تأتي له بمولود ذكر، وبعد معاناة طويلة.. تحمل في النهاية وفي نهاية المسرحية.

إذن المسرحية ليست عن فترة الحمل، بل عن كل ما سبق فترة الحمل مع هذه المرأة بالذات التي لا يمكن أن تكون قصّتها قصة حال البنات في يومنا هذا. السؤال الأول، هل المرأة الساذجة التي كتب شخصيّتها يمّين ومثلتها بو فرحات يمكن أن تقرّر بلحظة ما أن تحكي قصّتها؟

السؤال الثاني: هل هذا موضوع جديد لطرحه في مسرحيّة، الجديد الوحيد فيها هو حمل الممثلة الأساسية فيه دون توظيف حملها؟

السؤال الثالث: هل يوجد الآن من يظنّ أنّ العادة الشهرية هي نتيجة تناول الفريز؟ أو الصّلصة؟ وإن وجد من يظن ذلك فمن أيّ كوكب هن؟ وكم أعمارهنّ؟ ولماذا لم تعرض هذه المسرحية بينهن؟ على الأقل كانت ستكون "هادفة" و"تثقيفية".

السؤال الرابع: هل فعلًا يظن مخرج وكاتب هذا العمل أنها "كوميديا سوداء تلقي الضوء على حياة كل فتاة ولدت ونشأت ودرست وعملت وتزوجت وحملت ولا تدري حتى الآن إن عاشت حياتها أم لا"، وفق النشرة التي يتم توزيعها في المسرح؟

السؤال الأهم: لماذا قرّرت ندى أبو فرحات تمثيل هذا الدّور الآن؟ كيف استفادت من حملها؟ نحن لم نعرف أي شيء عن تجربة الحمل. المسرحية عما قبل الحمل وليس خلاله. كان يمكن أن تضع مخدّة في أول وآخر كم دقيقة من المسرحية حين كانت تخاطب جنينها ولا بأس بألا ترينا بطنها المنتفخة التي قررت أن تكشف عنها في الدقيقة الأخيرة من المسرحية بعد أن أعلنت جنس المولود الذي تنتظره الشخصية.

فكرة العمل الذي كانت تريده الممثلة ندى أبو فرحات والتي عارضها فيها المخرج والكاتب غبريال يمين كما قال في مقابلة مع موقع سكاي نيوز هي أن تطل على الجمهور من خلال قصصها الشّخصيّة خلال فترة الحمل. يبدو أن العرض الحقيقي بقي في نيّة أبو فرحات، وما شاهدناه كان شيئًا آخر.