Skip to main content
حنظلة: عودة إلى الكويت حيث ظهر أول مرة
تيماء دحيم
(من المعرض، تصوير: ياسر الزيات)

لم ينظم فنان الكاريكاتير الفلسطيني الراحل ناجي العلي (1937 - 1987) في حياته القصيرة نسبياً غير معرض وحيد في الكويت ضمّ عدداً من الأعمال التي اختارها بنفسه، ربما لأن مواقفه تجاه مرحلة بأكملها شكّلت الدافع الأساسي وراء إنتاجه الغزير الذي جاوز 40 ألف رسماً و"اسكتش" غلب عليه المباشرة في الطرح والتركيز على مضمونها ورسائلها السياسية.

قبيل رحيله بسنوات، أعاد العلي صياغة عدد من كاريكاتيراته التي نشرها في السبعينيات، لتعكس نضجاً أكبر في امتلاك أدواته الفنية، وكانت تندرج ضمن رغبته الملحّة بالتفرّغ للرسم واستكمال تجربته السابقة في الرسم بالأكرليك، وخاصة على المرايا في أربعة أعمال شهيرة، لكن لم تتح له فرصة المضي أكثر في مشروعه رغم أنه أنجز العديد من لوحاته التشكيلية لم تُعرض حتى اليوم.

يعود "حنظلة" مرة أخرى إلى العاصمة الكويتية، من خلال معرض استعادي يحمل اسمه بتنظيم من "منصة الفن المعاصر" (كاب)، والذي افتتح في الثامن من الشهر الجاري في الذكرى السبعين لنكبة فلسطين، ويضمّ مجموعة كبيرة من أعمال الفنان الراحل، رسمها خلال عمله في صحف الكويت في الفترة ما بين 1967 و1985، إلى جانب تمثال يجسد شخصية حنظلة للفنان العراقي ضياء العزاوي (1939)، صنعه من البرونز عام 2011.

في تقديمه للأعمال المعروضة، يقول الروائي المصري إبراهيم فرغلي "هذا المعرض دعوة لإعادة تأمل أعمال هذا العبقري، ومدلولاتها، وقدراتها على استشراف المستقبل وذكاء مبدعها، والتعريف به أيضاً للأجيال الشابة في عالمنا العربي التي فاتتها أيام، بل سنوات طويلة، كان العرب يقتنون الصحف التي كان ينشر في إحداها يومياً، من أجل مطالعة الكاريكاتير اليومي لفنان اسمه ناجي العلي".

تشكّل الرسومات توثيقاً للفترة التي ظهر فيها "حنظلة"، منذ أول مرة عام 1969 في جريدة "السياسة" الكويتية، لصبي في العاشرة من عمره قبل أن يدير ظهره بيدين معقودتين بعد عام 1973، معبّراً بكلمات قليلة أو من دونها عن رفضه الجذري لمنطق التسوية والاستسلام، وانتقاده لسلوك العديد من القادة الفلسطينيين وانقساماتهم التي لا تنتهي، وتنافسها على المغانم والمكاسب الشخصية.

في أعمال أخرى، يؤكد ناجي العلي انحيازه للفقراء والمهمّشين من المحيط إلى الخليج، حيث آمن أن مهمة الكاريكاتير التعبير عن "الكادحين والمقهورين.. كلّ شيء لديهم صعب الحصول عليه.. كلّ شيء قاس يحاصرهم ويقهرهم لكنهم يناضلون من أجل حياتهم، ويموتون في ريعان الشباب في قبور بلا أكفان.. هم دائماً في موقع دفاع مستمر لكي تستمر بهم الحياة.. أنا في الخندق معهم أراقبهم وأحس نبضهم ودماءهم في عروقهم"، وفق مقولته التي كتبها ذات يوم والتزم بها حتى يوم اغتياله.

كما عرّت رسومات العلي تبعية الأنظمة العربية للغرب وتخاذلها في الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني بمواجهة الاحتلال الصهيوني، وتجاوز الخلافات في ما بينها، التي رأى أنها ستقود إلى مزيد من التفتيت والتجزئة، نعيش اليوم أبشع تجلّياتها.