"حماس" واليد الإيرانية الممدودة نحوها

28 مايو 2014

الرئيس السابق نجاد مستقبلا مشعل بطهران أكتوبر 2011 (أ.ف.ب)

+ الخط -
هل يمكن لحركة المقاومة الإسلامية، "حماس"، أن تدير وجهها بعيداً، متجاهلة دعوة إيران إليها لإحياء العلاقة بينهما، والعودة بها إلى سابق عهدها؟
الجواب على هذا السؤال، هو "لا" كبيرة، فرضتها المتغيرات التي تعصف بالمنطقة، والتي شكلت ضغطاً مضاعفاً على الحركة في الداخل والخارج. ولعل الأزمة الإنسانية في غزة جزء يسير من أزمة أكبر، خصوصاً وأن إنهاء "حماس" بات مشروعاً واضح المعالم، تشارك فيه أطراف دولية وإقليمية، وتأخذ "مصر السيسي" على عاتقها مهمة التنفيذ على أكمل وجه.
أمام التحدي الذي فرضه حراك الشارع العربي، والثورة الدامية في سورية، وجدت إيران نفسها أمام معادلة جديدة، ساهم في صياغتها، بشكل كبير، الموقف الإيراني والدعم المالي والعسكري والسياسي الذي قدمته طهران لنظام بشار الأسد. في المعادلة الجديدة، تخسر إيران على الصعيد القيمي والأخلاقي، فدعاوى حماية المستضعفين والمظلومين تتكسر في سورية، وهو ما أصاب السعي الإيراني إلى احتكار دعم الخط المقاوم، فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، بضربة مباشرة. 
إن ما أحسنت إيران استثماره على مدى سنوات، عندما سدّت الفراغ الذي حدث، بفعل انحياز الأنظمة العربية لخيار الإذعان أمام إسرائيل، قدمته قرباناً لموقفها من سورية. وبين الثوابت والمصالح، يجاهد النظام الإيراني، اليوم، لفرض معادلة، تحافظ عليه، كلاعب أساسي في القضية الفلسطينية، وتحفظ له، في الوقت نفسه، مصالحه الخاصة المرتبطة بملفات داخلية وإقليمية، ولذلك، "حماس" اليوم مهمة لإيران أكثر من أي وقت مضى. 

 تستحق السياسة الإيرانية تجاه قضايا كثيرة، منها القضية الفلسطينية، أن توصف بـ "المركبة"، فهناك خطاب رسمي، يدافع عن ضرورة الاستمرار في تقديم الدعم المالي والعسكري والسياسي للأطراف الفلسطينية التي تلتزم بخط الكفاح المسلح لتحرير فلسطين، مع تجريم المسار التفاوضي، ومن قلب هذا الخطاب، وداخله، تخرج مشاريع، تتحدث عن تسويةٍ، بشكل أو بآخر، ومن ذلك مقترح "الاستفتاء"، وأخيراً، القبول بما يقبل به الفلسطينيون، كما صرح بذلك، أخيراً، وزير الخارجية الإيراني، محمد جواد ظريف.
لذلك، لا يمكن النظر إلى العلاقة بين "حماس" وإيران، اليوم، بمعزل عن التقارب الإيراني مع الولايات المتحدة الأميركية، على الرغم من أنه، وعلى المدى القريب، سيكون تقارباً سياسياً، وتبادلا لمصالح، ولن يصل إلى درجة الانفتاح، إذ يعرف مخططو السياسة الإيرانية أن انفتاحاً اجتماعياً إيرانياً، وتطبيعا للعلاقات بصورة كاملة، سيكشفان عن مساحة التباعد بين الشعارات الثورية وما يريده المجتمع فعلياً. يواصل التقارب الإيراني الأميركي تقدمه، إلا أن صوت الفريق المؤيد لدعم "حماس" في إيران مازال قوياً ومسموعاً.
لم يكن لـ "الانخراط البنّاء"، الذي دخل أدبيات السياسة الخارجية الإيرانية أخيراً، أن يسير بعيداً عن شعار "التدبير والأمل"، والسعي إلى إصلاح الاقتصاد والوفاء باحتياجات المجتمع الإيراني، وتعزيز مكانة إيران الدولية. وذلك مرتبط، بشكل مفصلي، بقدرة إيران على استثمار "ملفات النفوذ"، وسيطاً أو طرفاً لا يمكن إنكار دوره، وفلسطين في مقدمة هذه الملفات، والعلاقة مع "حماس" بيضة القبان فيها.
ويبدو أن تحقيق هذه الأهداف يرتبط كثيراً بملفات تأخذ أبعاداً استخباراتية وأمنية، تبرز بشكل أساسي في ملفات: أفغانستان، العراق، سورية، فلسطين (المقاومة الفلسطينية)، لبنان (حزب الله)، ومن المهم أن نتوقف، هنا، عند الموازنة التي تقدمت بها حكومة الرئيس حسن روحاني إلى مجلس الشورى الإسلامي، حيث ارتفعت الموازنة المخصصة لوزارة الاستخبارات الإيرانية بنسبة 16% عما كانت عليه في الفترة الرئاسية الثانية للرئيس السابق، محمود أحمدي نجاد، علما أن الموازنة التي سجلت ارتفاعاً بـنسبة 7%، مقارنة مع السابق، بلغت حوالى 300 بليون دولار بالسعر الرسمي.
في الأسابيع الأخيرة، شهد مسار العلاقة بين "حماس" وإيران نشاطاً كبيراً، فقد جرى تبادل رسائل، وعقدت اجتماعات في طهران، بمشاركة مسؤولين من "حماس" أداروا، على مدى سنوات، ملف العلاقة مع حزب الله في لبنان. من المؤكد أن إيران تعرف ما تريد، وهي تخطو نحو "حماس"، لكن السؤال ما إذا كانت الحركة تعرف ما تريده هي من العلاقة، وقبل ذلك، ما إذا كانت تدرك أبعاد التغيير الذي تشهده السياسة الإيرانية.
إن القادة العسكريين الإيرانيين، أنفسهم، الذين اجتمعوا مع قادة "حماس" في السابق، تحت عناوين: رفقاء السلاح، وحماية المستضعفين، ومواجهة الاستكبار، هم من يتصدون اليوم للحديث، من دون مواربة، عن مشروع إيراني، يقوم على ثنائية: الاستعلاء والتفوق. يكفي، هنا، الاستشهاد بتصريحات بثتها وكالة "فارس"، ثم ما لبثت أن حذفتها من صفحتها على شبكة الإنترنت، للجنرال حسين همداني، أحد القادة السابقين للحرس الثوري، حين تحدث عن سورية كساحة قتال بالنيابة عن إيران. وهي تصريحات لا تصب بعيداً عن تصريحات مستشار المرشد خامنئي، الجنرال يحيى رحيم صفوي، وهو، أيضاً، من قادة الحرس الثوري، حين اعتبر أن نفوذ بلاده وصل إلى المتوسط، وهي المرة الثالثة في تاريخ إيران، في إشارة إلى الإمبراطوريتين، الإخمينية والساسانية. إن من تتعامل معه "حماس" اليوم ليست إيران الثورية، وإنما مشروع يمتزج فيه البعد القومي بالديني والعسكري، مع مسحة رأسمالية، يضفيه عليها خطاب روحاني "المعتدل".
 
 
D33FFFA6-99D5-41B4-8A40-51AF778ACB34
فاطمة الصمادي

باحثة مختصة بالشأن الإيراني في مركز الجزيرة للدراسات، حاصلة على الدكتوراه من إيران عن رسالتها حول المضامين النسوية في سينما المرأة الإيرانية. لديها كتب وأبحاث من أبرزها "التيارات السياسية في إيران".