"حركات بنات"... حريم معاصر في منزل باربي

"حركات بنات"... حريم معاصر في منزل باربي

05 يونيو 2019
الثرثرة تجعلنا فعلاً نطرح السؤال عن مهنة الكتابة للدراما(فيسبوك)
+ الخط -
تستيقظ سارة (ليليا الأطرش)، بكامل مكياجها، بعد أن حاولت أختاها أن ترعباها بمقلب طفولي، لتستمر بعدها سلسلة القفشات والألاعيب الساذجة في مسلسل "حركات بنات"، من إخراج محمد معروف، والذي نرى أنفسنا فيه أمام "حكايات" مبتذلة، وحريم معاصر، تدور أحداثه في منزل أشبه ببيت ألعاب، بلاستيكي، لا حقيقي، يحوي "جميلات" يقعن في الحبّ، وخالتهنّ التي تحاول إيجاد زوج وتفشل بسبب مقالب "البنات".

مستوى الرداءة في هذا المسلسل تعجز اللغة النقديّة عن الإحاطة به. هناك نوع من "المديوكري" التي يحتويها المسلسل تشكّل إهانة للمشاهدة، لكن الأهم هم المؤدون أنفسهم. ألا يرون ما يحصل؟ هل فريق العمل بأكمله يتجاهل شكل اللباس والمكياج المبالغ به؟ هل يضحكون على النكات شديدة الابتذال؟ هل يتفق الجميع على الرداءة؟

بالإمكان الكتابة كثيراً عن مساوئ ما نراه، لكن صيغة "الحريم" الفانتازي التي تحصل في المسلسل لا يمكن إلا أن تثير الاستغراب. أربع نساء من أعمار مختلفة يتحركن وكأنهن أميرات ضعيفات بحاجة إلى الرجال لحمايتهن. الخالة، تبحث عن رجل، ويبحث عنها رجال في سبيل "الاستقرار" و"السترة". يتبنى الرجال دور الحماة والمدافعين عن النساء أوتوماتيكياً. اللجان الشعبية والحرس المدني في الشوارع بقيادة الممثل سعد مينا يرون أن من واجبهم حماية النساء الوحيدات، بل يطرقون باب "الحريم" ويدخلون وكأن دورهم الطبيعي هو الحماية وصون العرض. صحيح هناك قالب كوميدي وحكاية شبه رومانسيّة، لكنها ليست إلا ريتوريك عن الهيمنة الذكوريّة، تلك التي ترى في سكن نساء وحيدات عيباً من نوع ما، ما يخلق واجباً أخلاقياً بضرورة حل أزمتهن.

ما نشاهده في المسلسل أقرب إلى بارودي عن منزل دمية باربي، تتحرك دائماً بكامل زينتها. الشخصيات ساذجة، وكأن من يحركها طفل صغير. هناك إحالات شبقيّة شديدة السطحية، مشابهة لتلك التي نراها في إعلانات باربي، أو حين يلعب طفل باللعبة ويتفاجأ بغياب الأعضاء التناسلية لديها. نحن أمام نسخ بلاستيكيّة عقيمة، لا يمكن تقليدها، ولا تفعّل حتى الفانتازم الجنسي لابتذالها. يبدو الأمر كأنه تواطؤ بين "الجمالي المبتذل" و"الذكوري الحريميّ" لملء زمن العرض. كولاج من الاستهلاكي والبلاستيكي الذي يتحرّك تحت اللحم وفي الفضاء. لا شيء حقيقياً، بل كاريكاتور شديد المبالغة لنظام الحريم المعاصر؛ حيث غياب الذكر "الشرعيّ" يعتبر مشكلة، فبدونه "ستضطر البنات إلى ترك الدراسة والعمل، وهذا غير مقبول"، حسب تعبير واحدة من جارات "الحريم".

الثرثرة التي تملأ المسلسل تجعلنا فعلاً نطرح السؤال عن مهنة الكتابة للأعمال الدرامية. هل هي بهذه الدرجة من السهولة؟ هل فعلاً يكفي أن نصمم أحاديث خالية من المعنى وتحوي إشارات مبتذلة للمستقبل وما سيحدث ليتم صناعة الحدث؟ كذلك طبيعة المفارقات التي تمر بها الشخصيات وطبيعة الأداء تثير الحنق وتسخر من وقت الفراغ المخصص للمتابعة، إذ لا يوجد أي جهود لتمكين الاتفاق بين المشاهد والمؤدي على "حقيقة" ما يعرض على الشاشة، ما يدفعنا إلى التشكيك بجديّة المؤدين أنفسهم. هل هم فعلاً مقتنعين بأدوارهم؟ هل يصدقون ما "يلعبونه"؟ أو على الأقل هل يرون فيه مادة صالحة للعرض؟

على النقيض من منزل الدمى البلاستيكيّة، هناك "الرجال" في الخارج، أولئك الذين تربطهم علاقات عاطفيّة خجولة مع "دمى المنزل". هناك صاحب العضلات، والشقيّ والأستاذ الجامعي الخجول، والأهم رجل السلطة الوهميّة الذي يحاول حماية الأم وإيقاعها بحباله، إلى جانب سلسلة من "الأزواج" المبتذلين الذين يتقدمون للخالة. نحن أمام نماذج رجوليّة ساذجة وسطحيّة، تعطي نصائح لبعضها بعضاً عن كيفية التقاط "النساء"؛ فذو العضلات ينصح المدرس في الجامعة أن يكون "ثقيلاً"، ذا سطوة وهيبة ، في حين أن "الأستاذ" بارد المشاعر تلومه "حبيبته" بأنه لا يتغزّل بها، لا يطري على جمالها وزينتها المبالغ بها. هي علاقات أساسها ملء فراغات الدور الرجولي، كل الرجال مؤدون سيئون حتى لأدوارهم التقليدية، ولكل منهم عيوب أداء يشار إليها دوماً.

لكن المثير للاهتمام، أن دور "الرجل" التقليدي، لا يخضع إلى أي انتقاد أو مساءلة. يجب دوماً أن يكون الحامي، المدافع، الشرس، منفذ المهمات، يواجه المشكلات وقادر على حلّها، هو أيضاً فاعل في مقالب الفتيات ولا يسائل ما تطلبه منه "الحريم"، كجنيّ تحت الطلب.

المساهمون