"حارس القدس"... تغطية الجرائم باسم المقاومة والممانعة

"حارس القدس"... تغطية الجرائم باسم المقاومة والممانعة

10 مايو 2020
المخرج باسل الخطيب معروف بتأييده للنظام السوري (فيسبوك)
+ الخط -
يتناول مسلسل "حارس القدس"، الذي يُعرض ضمن الموسم الدرامي الرمضاني الحالي، حياة رجل الدين المسيحي هيلاريون كابوجي، مطران القدس للروم الكاثوليك خلال ستينيات وبداية سبعينيات القرن الماضي، إلا أننا لن تتناول الجوانب الفنية للمسلسل من نص وإخراج وأداء ممثلين بالنقد سلباً أو إيجاباً، بل سنحاول أن نحلل بعض المشاهد في المسلسل، ومنها المشهد الأول.

في المشهد الأول الذي تدور أحداثه ليل 22 /12 /2016، وقبل أن يخطف المخرج باسل الخطيب الأحداث خلفاً، يقطع المطران كابوجي (المنحدر من حلب) خلوته الروحية في منزله الواقع في روما، عندما يأتيه اتصال هاتفي ضروري من حلب. إذْ أتاه الخبر بأن حلب "تحررت"، وكان ذلك "أحلى خبر بسمعه من سنين"، بحسب ما أعلن المطران لمخبره. وقد اكتنفته الغبطة والسرور لدرجة الانفعال والبكاء. يتلو ذلك مشاهد تُصور دخول قوات النظام إلى حلب وسط أجواء احتفالية، ثم يذهب المخرج بكاميرا المسلسل إلى حلب عام 1933، ليبدأ بسرد سيرة المطران من أولها.

لكن، دعونا نخالف مخرج العمل وكاتبه قليلاً، من حيث تسلسل الأحداث وتتابع السياق الدرامي، ونعود من تاريخ المشهد الأول ثلاثة أو أربعة أعوام، لنكون داخل أحياء حلب الشرقية التي "حررها" الجيش في ذلك الوقت. حينها ستسمع في سماء هذه البقعة الصغيرة من الأرض دوي أربع أو خمس مروحيات، تثاقلت حركة كل واحدة منها "معذورة" بسبب ما تحمله من براميل، والناس على الأرض يراقبون. وستتناوب المروحيات على إلقاء البراميل المتفجرة واحدة تلو الأخرى، وسيسقط البرميل تلو الأخير، دون أن يدري المراقبون أين سيسقط أي منها. ينتهي الانتظار والتخمين بانفجار أو انفجارات ضخمة، تنبعث عنها سحب كثيفة من الدخان. يتسارع الناجون نحو مكان سقوط البرميل، حيث منزل أو منازل مدمرة، والعديد من الأشلاء لعديد من الأجساد التي تناثرت وخرجت أرواحها، أما من نجا بدون عاهة مستديمة فيعتبر محظوظاً.

لكم أن تتخيلوا أن هذا المشهد الواقعي تكرر على مدار حوالي أربعة أو خمسة أعوام، جاعلاً من معظم أحياء تلك البقعة أثراً بعد عين، في حين يتَّمت البراميل والقذائف الصواريخ مئات الأطفال، سواء لجهة الأم أو الأب أو كليهما، وقتلت مئات آخرين، وأحرقت أشخاصاً أحياءً حتى الموت، وهجرت الآلاف عن منازلهم وديارهم، وفي نهاية تلك الفترة، حاصر "المحررون" حلب الشرقية لحوالي عام، جاع خلاله الأطفال والنساء، وفُقدت أبسط مستلزمات الحياة. وكان لـ "المحررين" هدف رئيسي، هو تهجير من تبقّى من الناس في واحدة من أفظع عمليات التهجير القسري والتغيير الديمغرافي، والتي انتهت في تلك الليلة التي بدأ فيها المشهد الأول من المسلسل، ليدخل "المحررون" إلى أحياء حلب الشرقية، ويبدأوا تمشيطها ونهب ما تركه المدنيون وراءهم من أثاث ومتاع ناجين بحياتهم. إلا أن ذلك كله، كان أحلى خبر يسمعه المطران كابوجي منذ سنوات.

بالتزامن مع هذه الأحداث الدموية في حلب، كان المطران كابوجي يساهم في الدعاية للنظام بانفتاح الأخير على الآخر، وحمايته للأقليات ومشاركتهم في القرار، حين جلس في مطلع عام 2014 بزيه الديني الرسمي خلف وزير الخارجية وليد المعلم ضمن وفد النظام إلى مفاوضات جنيف 2، وقد تلفح بالعلم الذي يرفعه النظام زيادة في التعبير عن دعمه. كان عدد القتلى من السوريين حينها قد تجاوز 200 ألف سوري، قضوا على يد قوات وأجهزة أمن وشبيحة النظام الذي جلس المطران ضمن وفده متبنياً لطرحه، فيما تجاوز عدد المعتقلين ضعف هذ العدد. غير أن وجوده ضمن الوفد بمركزه الديني والزي الذي ظهر به على الشاشات أمام السوريين المعارضين للنظام والمكتوين بنيران آلته العسكرية، كان من شأنه توسيع الشرخ الطائفي الذي عمد النظام إلى تكريسه وتغذيته، من خلال رسائل مبطنة، على أنه نظام قائم على حلف من الأقليات.

لم يترك كابوجي فرصة للوقوف إلى جانب النظام قبل الثورة أو بعدها إلا وسجل حضوره، فوصف الثورة، كما كل رداحي جوقة الممانعة والمقومة، بـ "المخطط الجهنمي والمؤامرة الصهيونية الدنيئة"، داعماً النظام والأسد في مواجهة السوريين. وأمام ذلك، لا يهم تاريخ الرجل، الذي ربما يعتبره البعض نضالياً، في مواجهة الاحتلال الإسرائيلي بالمواقف حين كان مطراناً للقدس، والذي أدى لاعتقاله ومن ثم الإفراج عنه بوساطة من بابا الفاتيكان بعد 3 أعوام، ليخرج منفياً إلى روما؛ وإن كان ذلك فعلاً تاريخياً نضالياً، فإن الاصطفاف مع القتلة في قتل شخص واحد، كفيل بأن يذهب بهذا التاريخ المفترض برمته، فكيف وإن كان التأييد على بحر من الدماء.
عموماً، سنجد أن مخرج العمل باسل الخطيب واحد من أبرز المطبلين لنظام الأسد والمروجين لدعاية المقاومة والممانعة التي يدعيها، فيما يصطف الكاتب حسن م. يوسف من موقعٍ طائفي مع النظام في مواجهة الثائرين عليه، لتجمع بين الاثنين "المؤسسة العامة للإنتاج التلفزيوني والإذاعي" ومديرتها ديانا جبور زوجة باسل الخطيب، فيما أشرف على العمل - شخصياً - وزير الإعلام عماد سارة، ليخرج العمل بتكلفة 400 مليون ليرة سورية. ورغم أن هذا الرقم يعدّ عادياً أمام الأرقام التي تدفعها الشركات الخاصة في إنتاج الأعمال الدرامية، إلّا أن الوضع المعيشي للناس في سورية، ولا سيما في المناطق الخاضعة لسيطرة النظام، يجعلهم يعتبرون هذا الرقم فلكياً أمام حالة العوز والفاقة التي يعيشونها، والذي كان من الممكن أن يوضع في طريق سد حاجة الآلاف من الفقراء والمحتاجين والجائعين، بدل "إطعامهم" جرعة من "المقاومة والممانعة" عبر التلفاز من خلال المسلسل، هذا في حال توفر التيار الكهربائي للمشاهدة، في وقت باتت البلاد كلها تعيش على التقنين، وعند توفر الكهرباء سيكون السوريون أمام سيرة المطران هيلاريون كابوجي، الذي لا يختلف من حيث سلوكه كثيراً عن المخرج والكاتب والوزير وكل جوقة التطبيل لهذا النظام الدموي، ليجعله معهم كما "طنجرة ولقت غطاها".

المساهمون