"جيو-إسترتيجية الماء": الذاهبون إلى قوس العطش

"جيو-إسترتيجية الماء": الذاهبون إلى قوس العطش

12 اغسطس 2020
جيزون ديكايرس تايلور
+ الخط -

في مختلف أنواع الخطابات، من الأدب إلى العلم، مروراً بالنصوص الدينية، هناك إجماع على أهمية الماء كأحد أثمن عناصر العالم. غير أن هذا التثمين يقابله نوع من عدم المبالاة في التصرّف فيه، وهي ملاحظة يسوقها الباحث الفرنسي باسكال لوبوتريما في كتابه الصادر مؤخراً بعنوان "جيو-إسترتيجية الماء" عن منشورات "إسبري دوتون".

تأتي هذه الملاحظة في سياق دراسة ونقد سياسات الدول الغربية مع المياه، حيث يرى أنها سياسات تقتحم معادلة معقدة بشكل مبالغ فيه من التبسيط، إذ يشير لوبوتريما إلى أن هذه السياسات لا تأخذ في الاعتبار تحوّلات المناخ أو التضخّم السكّاني للمدن، لكن النقطة الأخطر بالنسبة إليه، تتعلّق بتحوّل الماء إلى مادة تتنافس عليها الشركات الكبرى وتستثمرها مادياً مقابل بقاء الدول في موقع المتفرّج، ما يجعل من صراعات الاقتصاد أكثر حدّة وشراسة وبالتالي في مصلحة أقلية من الناس.

يرى لوبوتريما أن الدول الغربية يغيب عنها – بقصد أو بدونه – مفهوم جودة المياه، وهو مفهوم كان يمثّل ركيزة أساسية في سياسات القرنين الثامن عشر والتاسع، حيث كانت القوى السياسية التي تودّ مغازلة شرائح كبيرة من السكّان تعد بماء جيّد. 

يحمل الكتاب عنواناً فرعياً "الذهب الأزرق ورهاناته بين الآفاق والأزمات والتوترات"، ومن هنا تبدو المقاربات التي يتخذها لوبوتريما في معالجة موضوع المياه، فالعمل هو في الأصل ضمن حقل العلاقات الدولية وليس مجرّد نقد للسياسات الرسمية للمياه من موقع إيكولوجي يتناول المسألة من زاوية التلوث مثلاً.

الصورة
جيوبوليتك الماء

يرى الباحث الفرنسي أن السياسات غير الجدّية في إدارة المياه ستجعل من هذه الأخيرة مادة نادرة وهو ما يتحقق بشكل ما في مجالات جغرافية عدة، وهذا الوضع يجعل من المياه ورقة جيوسياسية خطيرة، حيث يمكن حسم حروب عبر التعطيش، كما أن خارطة المياه في العالم قد تنتج قوى عظمى جديدة لها كلمتها المسموعة في القضايا السياسية الدولية، ومن هذه البلدان كندا والبرازيل وبلدان وسط أفريقيا وأبرزها الكونغو.

انشغال لوبوتريما بمسألة المياه من موقعه كباحث فرنسي يثير شجونا عربية كثيرة، فنفس المبحث يبدو ملحاً أكثر في سياقات عربية، ففي الوقت الذي يرى فيها لوبوتريما أن فرنسا وإيطاليا وألمانيا بلدان ستجني ثمن خياراتها في إدارة المياه، ما الذي يمكن قوله في بلدان عربية كثيرة يبدو أنها تعيش السيناريوهات التي يحذّر منها الباحث الفرنسي.

المساهمون