لا تخلو جملة المواقف التي يطلقها ساسة لبنان من ثوابت راسخة. ليست تلك المتعلقة بالعداء لإسرائيل أو وحدة لبنان، بل هي أقرب إلى التفاصيل السياسية اليومية التي تتكرر أحداثها في نفس الإطار بلا كلل، منذ قيام دولة لبنان الكبير وحتى اليوم، وربما غداً أيضاً.
تزيّن تلك اللازمات دائرة الأحداث المتكررة في لبنان، فترى المناداة بـ"خطة إنمائية تواكب العمل الأمني" تتصدر الصفحات والتصريحات من دون أن تجد لها أي أثر فعلي على الأرض. عادت تلك اللازمة أخيراً إلى سوق التدوال في بورصة المواقف من باب التفجير الانتحاري المزدوج الذي استهدف مقهاً شعبياً في منطقة جبل محسن، في مدينة طرابلس، شمالي لبنان.
تعاني تلك المنطقة من الفقر، وكذلك عانى منه منفذا التفجير القادمان من الحي المجاور للجبل. لم يطل الإنماء "الجبل العلوي" ولا جواره السني، وإن وصلت أصداء الحديث عن "الخطة الإنمائية" إلى آذان فقراء طرابلس. ترن في تلك الآذان وعود الـ"مئة مليون دولار" التي أقرتها حكومة لبنان السابقة وظلت، كما بقية الخطط الإنمائية، تتناقل من الأفواه الجائعة إلى الآذان التي صمّها أزيز الرصاص. لم تفلح بضعة براميل طلاء زرقاء اللون طلى بها تيار المستقبل واجهة المباني/ المتاريس بين المنطقتين في تجميل الحرمان. يبقى صدى الغصة واحداً في طرابلس بين جدران تعتليها صور بشار الأسد وجدران زرقاء تردد نفس المأساة.
كذلك تقرأ في سطور الصحف "استعداد حزب الله لتسهيل عمل الأجهزة الأمنية الرسمية في البقاع الشمالي لمكافحة الجرائم". ترددت تلك اللازمة البسيطة منذ إقرار الخطة الأمنية في منطقة البقاع شرقي لبنان في مارس/آذار من العام الماضي. يمارس بعض أبناء البقاع "كوكتيل جرائم" يتضمن الخطف مقابل فدية وزراعة المخدرات، بعدما ملوا طلب الإنماء أو تأمين زراعات بديلة. كما كلّت الآذان من تكرار "تعاون حزب الله". لا يعني الحزب، صاحب المشاريع العابرة للحدود، توقيف مجرم هنا أو خاطف هناك اللهم إلا في إطار تسهيل قفزاته الحدودية بين لبنان وسورية. يجد "طفار الجرود" (التعبير الشعبي للخارجين عن القانون في منطقة البقاع) وكل اللبنانيين أنفسهم بين نار دولة تبحث عن هيبتها ودويلة تعبث بالحدود، فتقفز إلى الواجهة بشكل تلقائي لازمة "سيادة الدولة اللبنانية على كافة أراضيها".