أبدى البعض الرسمي اندهاشه من توقيع الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، على نص الاعتراف بـ"سيادة" الاحتلال الإسرائيلي على الجولان السوري المحتل، والمضي عملياً في نسف أسس الحل النهائي لقضية فلسطين. فالصيغ المعلبة، تنديداً واستنكاراً، لم تدم ساعات، إذ يكشف وزير الخارجية الأميركي، مايك بومبيو، عن أن ذلك يأتي في سياق ما ذكرناه قبل أسابيع عن "صفقة القرن... التطبيق جار".
فتحت شعار "الواقعية السياسية" ما يزال البعض ينفخ في شبح "المبادرة العربية"، ويطالب أحدهم بـ"استفتاء" وآخر يعتبر أن الجولان والقدس حق للاحتلال، مع بقية تهافت الجوقة على حساب قضايا الشعوب العربية. وفي مقابل النفاق التبريري، وخروج بعض الكتاب الغربيين، ومنهم أندرس جيريكو في كوبنهاغن، محذرين من "استدعاء منهج توراتي مُدمر في السياسة"، لن تجد وزير خارجية عربيا يجرؤ على اقتباس قرآني بشأن القدس وفلسطين، كما فعل بومبيو، معبراً عن إيمانه التوراتي أن "الرب أرسل ترامب كما أُرسلت إيستر لإنقاذ اليهود".
وفي استمرار رحلة سقوط أوراق التوت، سياسياً وعلى بقية المستويات، وبتناقض حتى مع يهود يعارضون دولة الاحتلال، وتوسُع حركة المقاطعة الغربية، يُصر البعض على اعتبار التطبيع "واقعية" أيضاً، بأوهام "ظهور متحضر"، وذلك في إطار "التنافس" لنيل الإعجاب الغربي، بكثير من الضعف والمهانة، مكانة وهيبة، وميوعة يُسترشد بها نخبوياً وشعبوياً. أيضاً ليس مستغرباً أن يُقرأ الأمر في دمشق "انتصاراً لمحور الممانعة". فمقياس الانتصارات في دمار الأوطان والشعوب ليس بجديد لدى المستبدين، كما في غريزة بقاء نظام العائلة الأسدية على حساب الوطن، بشعارات ترويجية متضخمة، منذ انقلاب 1970، ومن بينها شعار "فلسطين قبل الجولان". وعملياً لم ينتج عن كل "الانتصارات" سوى أسئلة محقة عند الشعوب: من أين لمارشلات العرب، أمثال الراحلين مصطفى طلاس وحكمت الشهابي، المتوفين في عقر دار "الإمبريالية المتآمرة" (في فرنسا وأميركا)، كل تلك النياشين؟ في نهاية المطاف، لا أحد يستطيع منع بعض الناس، بعيداً عن نظريات التبرير القهري لظاهرة حراسة عسكر العرب للمحتل، أن تسأل جوقة الأنظمة: طالما أنكم متيمون بالتصهين، فلم لا ترتاحون فتبنون لهم "مملكة" أجداد قِدوتكم غولدا مائير وحاخامات "الذبح للعرب" بدل هراء "الاستفتاء" وانشغالكم بتبريرات الانبطاح؟