"تمرّد" ضد السيسي؟

"تمرّد" ضد السيسي؟

12 يوليو 2014

اعتصام لنشطاء "تمرّد" في القاهرة (يونيو/2013/Getty)

+ الخط -


على الرغم من أن كلمة تمرّد تعني أحد أشكال المعارضة ضد سلطات الحكم، إلا أنها تعبّر، في الأغلب الأعمّ، عن التمرّد المسلّح، والخروج على السلطات بالقوة، إما لتحقيق مطالب اقتصادية (حصول فئات مهمّشة على مكاسب اقتصادية)، كما الحال في معظم حركات التمرد الأفريقية التي ظهرت في تسعينات القرن الماضي في ليبيريا وسيراليون وغيرها، وكان هدفها السيطرة على مناجم الماس، في ما عُرف بظاهرة لوردات الحرب، أو يكون الهدف تحقيق مكاسب سياسية، تراوح ما بين المشاركة في الحكم، مروراً بالحصول على حكم ذاتي لإقليم يسيطر عليه المتمردون، وصولاً إلى إطاحة النظام، أو حتى انفصال جزء من الدولة في كيان جديد، وهو ما لا يتحقق إلا بشروط كثيرة، منها قوة المتمردين التسليحية من ناحية، والقوى الداعمة لهم، إقليميا ودولياً، من ناحية ثانية. وفي المقابل، ضعف قدرات النظام الحاكم وضعف الظهير الخارجي المؤيد له.

لكن "تمرّد" الحالة المصرية، كانت لها ملابسات غريبة، سواء في ما يتعلق بظروف نشأتها السريعة (ثلاثة أشهر قبل الانقلاب)، أو من حيث رموزها (شخصيات شبابية برزت على السطح فجأة تفتقد الخبرات السياسية، أو القدرات الكاريزمية)، أو حتى افتقادهم مقوّمات التأثير والحراك الشعبي ضد النظام.

وعلى الرغم من ضعف مقوّمات "تمرّد"، إلا أن سقف مطالبها كان مرتفعاً بصورة كبيرة، لا تتناسب مع هذه المقوّمات، حيث طالبت بعزل الرئيس، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، مرة واحدة. أي لم تتدرّج في المطالب، وهذا وجه الاستغراب. فكيف لحركة تفتقد مقوّمات إسقاط رئيسٍ منتخب، ترفع سقف مطالبها إلى حده الأقصى، بل ترفض أية عروض قادمة من الرئيس، بشأن تغيير الحكومة، وإجراء انتخابات برلمانية مبكرة، ربما تفسح المجال لاستفتاء حوله؟

الأغرب أن هذه الحركة، بدلاً من أن تنضوي في الحركة السياسية المعارضة الأكبر، "جبهة الانقاذ"، التي كان جلّ مطالبها إعلان الرئيس محمد مرسي إجراء استفتاء مبكر وليس انتخابات مبكرة، حدث العكس، حيث انضوت هذه الأحزاب تحتها، كما تبنت موقفها الجديد بشأن عزل مرسي. ويبقى السؤال، ليس فقط بشأن مبررات العزل في السنة الأولى لرئيس منتخب، ولكن، كيف يتحقّق هذا العزل؟

ساقت الحركة مبررات لعزل مرسي، تتمثّل، كما جاء في بيانها، في أمور عدة، أبرزها: غياب الأمن، عدم تحسّن أوضاع الفقراء، الاعتماد على الخارج في عملية دعم الاقتصاد، عدم القصاص لحق الشهداء، غياب الكرامة، ثم التبعية للأميركيين.

ومن الواضح أن هذه المثالب يمكن أن يعاني منها أي نظام منتخب، لكنها لا تكون مدعاة لعزله. صحيح أنها قد تؤدي إلى تراجع شرعيته، لكن، تبقى مشروعيته القانونية تؤهله لذلك. وقد حدث هذا في نماذج عدة، سواء الديمقراطيات الحديثة، كحالة الولايات المتحدة مع الأزمة الاقتصادية التي ضربتها عام 2008، وكذلك الحال مع فرنسا في العام الأول لحكم هولاند، ومع ذلك لم يسقط أي منهما، بل يعد نموذج الرئيس الكيني الجديد، أوهورو كينياتا، الذي نجح بـ51% من الأصوات فقط، ومطلوب للمثول أمام المحكمة الجنائية الدولية لتحريضه على العنف، قبل وصوله إلى السلطة، ومع ذلك، لم يتمرد الكينيون ضده، احتراماً للديمقراطية الوليدة.

أما في حالة تمرّد، فكان سقف المطالب مرتفعاً، ما يفسّر وقوف أجهزة الدولة معها واعتبار هؤلاء الشباب واجهةً فقط لإسقاط النظام المنتخب، ما اتّضح بعد الانقلاب، حيث تراجع هؤلاء، تماماً كما حدث لجبهة الإنقاذ، وتصدّر العسكر المشهد. وعلى الرغم من أن هذا الرأي قد لا يروق لهؤلاء، فإننا نطرح السؤال الذي وضعناه عنواناً للمقال: هل يتمرّد هؤلاء ضد السيسي، لوجود المبررات نفسها، بل أكثر، والتي ساقوها للخروج على مرسي؟ فالكرامة غير موجودة بعد حملات الدهم والاعتقال وكبت الحريات لكل مَن يعارض النظام، سواء من النخبة المثقفة، مثل بلال فضل وعلاء الأسواني، أو من النشطاء السياسيين، كأحمد ماهر وأحمد دومة، بل امتدت الإهانة إلى المواطن البسيط، كما حدث أخيراً من إطلاق نار على السائقين المعترضين على ارتفاع أسعار الوقود.

وبشأن الفقراء، فقد ازدادت أوضاعهم سوءاً، ليس فقط بسبب عدم تطبيق الحد الأدنى للأجور، ولكن، بسبب ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء والوقود، ما سيؤدي إلى متوالية ارتفاع سائر السلع والخدمات، في خطوة لم يجرؤ مرسي على القيام بها. أما الأمن، فإنه مفقود في ظل حدوث تفجيرات هنا وهناك، ليس معروفاً الفاعل الحقيقي لها، خصوصاً مع نفي المتهم الرئيسي بارتكابها، (الإخوان المسلمون). وهي ظاهرة لم تكن موجودة في ظل حكم مرسي. وفي ما يتعلق باعتماد النظام على المعونات الخارجية، فإن النظام الحالي يتلقى المعونة علناً، وبشكل سافر، من دول في الخليج تحديداً. وبالنسبة للتبعية الحالية للولايات المتحدة، يتذكر الكل قول وزير الخارجية السابق، نبيل فهمي، عن علاقة الزواج الكاثوليكي بين البلدين.

إذن، "تمرّد"، من وجهة نظر المشككين فيها، مطالبة، لكي تثبت أنها حركة مستقلة غير تابعة لأحد، أن تتمرّد ضد السيسي، لوجود المثالب نفسها، بل أكثر. وقد تردّ الحركة بأن السيسي لم يمر عليه سوى شهر في الحكم. وهنا، نردّ بالسؤال التالي: أليس هو مَن وضع خطة الطريق، واستدعى الأطراف للتصديق عليها؟ وبفرض هذا الشهر، ألا تستدعي خطواته أخيراً التمرّد ضده، أو حتى الخروج في تظاهرات للمطالبة بالتراجع عنها، أو حتى الخروج بتصريحات تشير، صراحةً أو ضمناً، إلى امتعاض بشأنها؟ أم أن تمرّد مشغولة الآن بالاستعداد للانتخابات البرلمانية لكي تصبح جزءاً من نظام السيسي؟!

B8DDCC55-8075-41F9-A617-4F3EA9A3A8C9
بدر شافعي

كاتب وباحث مصري، يحمل الدكتوراة في العلوم السياسية من جامعة القاهرة، له كتابان عن تسوية الصراعات في إفريقيا، وعن دور شركات الأمن في الصراعات.