"تقصي الحقائق" يؤكد دور المخابرات الحربية بقتل ثوار يناير

"تقصي الحقائق" يؤكد دور المخابرات الحربية بقتل ثوار يناير

20 يناير 2015
التقرير تناول أسماء ورتب ضباط المخابرات (العربي الجديد)
+ الخط -
فتحت اتهامات الرئيس المصري المعزول، محمد مرسي، أثناء محاكمته في "قضية التخابر"، الأول من أمس، الموجهة للرئيس الحالي، عبدالفتاح السيسي، بقتل متظاهرين في ميدان التحرير خلال ثورة يناير 2011، باب التساؤلات حول القصص غير المروية للأيام الـ18 الفاصلة بين اندلاع ثورة 25 يناير/ كانون الثاني، وتنحي الرئيس المخلوع، حسني مبارك، في 11 فبراير/ شباط، ودور الاستخبارات الحربية، التي كان يترأسها السيسي في حينه، بالأحداث.

تحدث مرسي أثناء مرافعته للدفاع عن نفسه، أمام محكمة جنايات القاهرة، باقتضاب، عن تلقيه معلومات ضمن تقرير لجنة تقصي الحقائق الثانية عن أحداث الثورة، تفيد بـ"دخول أفراد من جهة سيادية كان يترأسها السيسي إلى فنادق مطلة على ميدان التحرير واستئجارهم غرفاً باستخدام بطاقات التعريف الرسمية لهم، وبحوزتهم أسلحة"، مشيراً إلى أنه "لم يأمر بالقبض على هذا القائد ليسمح للنيابة العامة بالتحقيق في هذه المعلومات، وحتى يحافظ على المؤسسة العسكرية".
 
وقد حصل "العربي الجديد" على التفاصيل الكاملة للقصة التي رواها الرئيس المعزول، من واقع التقرير الذي سلّمته اللجنة إلى مرسي في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2012، وأحاله الأخير إلى النائب العام في حينه طلعت عبدالله. وتولت بعدها نيابة الثورة التحقيق في ما ورد بالتقرير من وقائع، وهي النيابة التي أنشئت بموجب قانون حماية الثورة. ونصّ الأخير على إعادة التحقيقات بقضايا قتل الثوار، خلال الثورة وفترة حكم المجلس الأعلى للقوات المسلحة، ثم ألغاها النائب العام الحالي، هشام بركات، بعد عزل مرسي.

تبدأ القصة بورود أنباء إلى اللجنة بأن ضباطاً تابعين لجهة سيادية عسكرية استأجروا غرفاً مطلة على ميدان التحرير في فندق "هيلتون رمسيس"، الذي يفصل كوبري أكتوبر بينه وبين المتحف المصري وميدان عبدالمنعم رياض (الجهة الشمالية لميدان التحرير)، وذلك خلال الفترة بين جمعة الغضب 28 يناير/كانون الثاني، والاعتداء الشهير على الثوار من قبل أنصار مبارك المعروفة إعلامياً بـ"موقعة الجمل"، التي وقعت بين يومي 2 و3 فبراير/شباط.

استدعت اللجنة للشهادة مدير فندق "هيلتون رمسيس"، الذي أكد أن ضباطاً تابعين لإدارة الاستخبارات الحربية بالقوات المسلحة، وآخرين يعملون في إدارة شرطة السياحة بوزارة الداخلية، حضروا إلى الفندق بعد انتهاء أعمال العنف، التي شهدتها معظم مناطق القاهرة وعلى الأخص ميدان التحرير في جمعة الغضب، وبعد انسحاب الشرطة وعناصر الأمن المركزي تماماً من جميع نقاط تمركزهم على مستوى الجمهورية.


وأوضح المدير أن الضباط كانوا مسلّحين، وبحوزتهم بطاقات تعريف خاصة مستخرجة من الجهتين اللتين يعملون فيهما، وطلبوا جميعاً الحصول على غرف مطلة على ميدان التحرير، ومكثوا في الغرف عدّة أيام لم يغادروها. وأوضح المدير أنّ الغرف المطلة على الميدان في فندقه يستطيع قاطنوها كشف ميدان التحرير بأكمله، لا سيما منطقة عبدالمنعم رياض وكوبري أكتوبر بطبيعة الحال. وأكّد احتفاظ الفندق بصور ضوئية عن بطاقات التعريف وبيانات إقامة الضباط.

ورغم أنّ لجنة تقصي الحقائق لم تتلق معلومات مماثلة من أي فندق آخر مطل على ميدان التحرير، غير أنّها قررت الاهتمام بالواقعة، لما تحمله من دلالات عن دخول الاستخبارات الحربية إلى المجال الجغرافي لميدان التحرير بعد انهيار الشرطة، وما قد يستتبع ذلك من ضرورة  علمها بعمليات قنص المتظاهرين والاعتداء عليهم من أعلى كوبري أكتوبر خلال وبعد أحداث "موقعة الجمل".

حاولت اللجنة التحقيق في الواقعة، إلا أنها لم تتلق ردوداً من الاستخبارات الحربية بشأنها، ولا بشأن وقائع أخرى كانت تتطلب توضيحاً من هذه الجهة أيضاً. ودعا هذا الغموض اللجنة إلى التوصية صراحة بالتحقيق في هذه الواقعة، إذ كان من المفترض، وفقاً لتعليمات مرسي آنذاك، أن تجري التحقيقات بمعرفة النيابة العامة، أو أن تحال الواقعة إلى القضاء العسكري لمباشرة اختصاصاته، نظراً لأن الضباط المشتركين في الواقعة ينتمون للمؤسسة العسكرية.

في هذا السياق تندرج شهادة مدير أمن فندق "سميراميس إنتركونتننتال"، المطل على ميدان التحرير، كما وردت في تقرير اللجنة، إذ قال إنه "بعد أحداث يوم جمعة الغضب، حضرت إليه مجموعة من ضباط الاستخبارات الحربية، بينهم مقدم ورائد، وطلب منه الأخير إدخال بعض المعدات في حقائب مغلقة بغرض تركيب كاميرا أعلى سطح الفندق. وبالفعل، تم إدخال هذه الحقائب من دون تفتيش، وتم تركيب كاميرا مراقبة من قبل أجهزة الاستخبارات الحربية، أعلى سطح مبنى الفندق، من الناحية المطلة على ميدان التحرير".


وأضاف أنه "في الفترة التالية على يوم 28 يناير/كانون الثاني 2011، حضرت إلى الفندق مجموعة من الضباط التابعين لجهات أمنية مختلفة، وكانوا يقومون باستخدام غرف الفندق المطلة على ميدان التحرير، على مدار الأربع والعشرين ساعة، مقرّين لإدارة الفندق بأن الغرض من استخدام هذه الغرف هو مراقبة الأحداث بميدان التحرير"، نافياً علمه ما "إذا كان أي من هؤلاء الضباط كان بحوزته أسلحة قنص من عدمه".

وقال مدير أمن الفندق في شهادته إنّهم "كانوا يصعدون إلى الغرف، وفي حوزتهم أسلحتهم الشخصية (مسدس)". وأوضح أنه يتذكر بعض بيانات هؤلاء الضباط، وهم "ضابطان من الاستخبارات الحربية، وخمسة ضباط من الإدارة العامة لشرطة السياحة، وضابطان من مباحث الفنادق".

تتقاطع هذه القصة مع حقائق أخرى كشف عنها تقريرا لجنتي تقصي الحقائق في أحداث الثورة، سواء تلك التي شكّلها مرسي، واكتشفت واقعة "هيلتون رمسيس"، أو اللجنة الأولى التي شكّلها رئيس الوزراء الأسبق أحمد شفيق، عقب تنحي مبارك، والتي كان يترأسها رئيس محكمة النقض الأسبق، المستشار عادل قورة، وكان أمينها العام هو نفسه أمين لجنة مرسي، المستشار عمر مروان.


تضمن المبحث الأول من التقرير النهائي للجنة الأولى، والذي حمل عنوان "إطلاق النار والدهس بالسيارات"، شهادات 120 من شهود الوقائع الدامية يوم جمعة الغضب، والتي اتفقت على "وقوف بعض القناصة على أسطح مجمع التحرير وفندق رمسيس هيلتون ومبنى الجامعة الأميركية وديوان وزارة الداخلية، وأطلقوا النيران على أشخاص من المتظاهرين". واستدلت اللجنة أيضاً بالتقارير الطبية التي أفادت بأن "الوفاة جاءت غالباً من أعيرة نارية وطلقات خرطوش في الرأس والرقبة والصدر".

أما الحقيقة الأخرى التي ثبتت في تحقيقات اللجنة الثانية، فهي أن الاستخبارات الحربية كانت الجهاز الوحيد الفاعل في محيط ميدان التحرير، عقب انهيار الشرطة، وقد صاحب نزول عناصرها إلى محيط الميدان، قرار مبارك بنزول القوات المسلّحة إلى الشوارع لتأمينها.
إضافة إلى أنّ الاستخبارات الحربية قامت في الأيام التالية لنزول الجيش بزراعة أجهزة مراقبة في مختلف أرجاء الميدان، والشوارع المطلة عليه والمؤدية إليه، مما يعني أنّه كان تحت سيطرتها بالكامل، ورغم ذلك حدثت موقعة الجمل، التي وجهت فيها أصابع الاتهام الرسمية إلى أنصار مبارك وقيادات الحزب الوطني المنحل فقط، قبل أن يبرئهم القضاء جميعاً.

ومن خلال مطالعة بعض مقاطع الفيديو والصور الخاصة بيومي "موقعة الجمل"، والتي شاهدتها لجنة التقصي الثانية، يتبين دخول أنصار مبارك القادمين من منطقة نزلة السمان بالجيزة إلى ميدان التحرير على ظهور الجمال، على مرأى ومسمع من عناصر الشرطة العسكرية، التي تتلقى في المعتاد توجيهاتها الحركية من الاستخبارات الحربية والاستطلاع، إذ كانت هذه العناصر تقف عند جميع مداخل ومخارج الميدان، وعندما اشتدت المعركة بين الثوار وأنصار مبارك لوحظ اختفاؤها.

ورغم ورود كل هذه المعلومات ذات الدلالات المختلفة التي عج بها تقريرا لجنة تقصي الحقائق، إلا أن النيابة العامة امتنعت عن التحقيق فيها، سواء في عهد المجلس العسكري أو محمد مرسي أو ما بعد 3 يوليو/ تموز 2013.