"تسونامي" الجنيه الإسترليني: دول عربية تواجه الهبوط بإجراءات مسبقة

"تسونامي" الجنيه الإسترليني: دول عربية تواجه الهبوط بإجراءات مسبقة

16 أكتوبر 2016
تراجع الإسترليني على وقع بريكست (شون كوري/ فرانس برس)
+ الخط -
يواجه الجنيه الإسترليني عملية الانفصال البريطاني عن الاتحاد الأوروبي، وسط غموض وفوضى في التحليلات التي تطاول آثار بريكست على مستقبل اقتصاد المملكة المتحدة. معالم الانتقال لا تزال مجهولة، إلا أن الواضح اليوم هو الهبوط الحاد الذي تشهده هذه العملة الذي لم تعرفه منذ عقود.
ومع توقعات الركود، وارتفاع العجز، وتراجع النمو الاقتصادي، وانحسار الاستثمارات، يترقب رجال الأعمال والشركات الأحداث المتسارعة في عملية الانفصال، لتحسس المخاطر التي قد تلحق بهم بعد بريكست، في حال الوصول إلى أزمة اقتصادية بريطانية قد تكون، وفق بعض المحللين، كارثية.
ولكن، ماذا عن تأثيرات هبوط الإسترليني اليوم على الدول العربية؟ استثماراتها وتعاملاتها وأرباحها المصرفية؟ وماذا يتوقع خبراء الاقتصاد من تداعيات قد تطاول قطاعات محلية حيوية من سياحة وتجارة وخدمات وتحويلات وغيرها؟

خطوات لخفض الضرر

تشترك السعودية مع بريطانيا في 200 مشروع بحجم استثمارات تُقدر بأكثر من 18 مليار دولار أميركي. وخلال السنوات الخمس الماضية بدأت الصادرات السعودية في الارتفاع؛ الأمر الذي ساعد على تعديل الميزان التجاري، الذي كان يميل لصالح بريطانيا، مع توقعات أن تزداد الصادرات البريطانية إلى السعودية بمعدل أكثر من 5.5% سنوياً لتصل خلال عشر سنوات إلى نحو سبعة مليارات دولار.
وبحسب المحلل المالي الدكتور ربيع سندي ضلت بريطانيا ضمن أعلى خمسة مستوردين من السعودية، كما أن: "بريطانيا تعتبر جهة رئيسية للاستثمارات السعودية الخارجية، وهي استثمارات يتركز 86% منها في مجالات الأسهم وسندات الخزينة والعقارات؛ وهي ستتأثر من جراء هبوط الجنية الإسترليني، غير أن هذا الهبوط سيكون مؤقتاً".
وتشكل الصادرات غير النفطية نحو 61% من الصادرات السعودية لبريطانيا؛ والتي يتم تمويلها عن طريق المصارف السعودية. ويسود القلق من أن تتأثر قدرتها على تحصيل مديونياتها على المدى القصير، من جراء انخفاض القيمة التقديرية لتلك الموجودات.
ويقلل المحللون الماليون الخليجيون من تأثير تراجع قيمة الجنية الإسترليني على القطاع المصرفي، وعلى الاستثمارات السعودية والخليجية في بريطانيا بشكل عام على المدى الطويل والمتوسط. ويشير الخبراء إلى قدرة الاقتصاد البريطاني على امتصاص الأضرار الناتجة عن الخروج من الاتحاد الأوروبي، مما يحد من الضرر الذي قد يحدث على المدى القصير.

ويؤكد المحلل المالي علي الجعفري أن المصارف السعودية تنوع سلة عملاتها، كما أن حجم وجود الجنيه الإسترليني لدى تلك المصارف، منخفض. ويقول لـ "العربي الجديد: "تأثيرات هبوط الجنيه الإسترليني محدودة مصرفياً. والأمر مشابه حين نتحدث عن الين الياباني أو السويسري أو حتى اليورو، فهذه العملات في الغالب لمقابلة الاعتمادات التجارية من الدول التي تتعامل بتلك العملات". ويضيف: "كل المصارف السعودية لديها إدارات خزينة، والأخيرة دائماً تتحوط في عقودها، والكل كان يعلم من قبل بدء عملية انفصال بريطانيا عن الاتحاد الأوروبي أنه سيكون هناك انخفاضاً في الجنيه الإسترليني، لهذا قامت المصارف بالكثير من الخطوات لتقليل الضرر. لا أعتقد أن القطاع المصرفي السعودي سيتأثر بشكل مباشر مما يحدث الآن حتى لو واصل الإسترليني الانخفاض".
ويشدد الجعفري على أنه من غير المؤكد إن كان هبوط قيمة الجنية الإسترليني سيكون مؤقتاً أو تستقر العملة على الهبوط، ولكن من المرجح أن تشهد هذه العملة انخفاضات إضافية، ويشرح: "تعتمد خسارة بريطانيا أو ربحها من هذا هبوط عملتها على ميزانها التجاري، فإذا استمر ميزانها التجاري يميل أكثر نحو التصدير فستكون مستفيدة وسينعكس انخفاض الإسترليني إيجاباً على اقتصادها"، ويشدد الخبير المالي على أن انخفاض العملة سيساعد على ارتفاع مستوى الاستثمار العقاري في بريطانيا، نتيجة تراجع الأسعار عند الشراء. ويتابع: "صحيح أن العائد الذي سيحصل عليه من جراء استثماراته العقارية سيكون بالجنيه أيضاً، وقيمة الأصول ستكون منخفضة، لكنه سيوازن بين أرباحه والقيمة التي استثمر بها".
وبشكل عام يعتقد الجعفري أن الاستثمارات السعودية ستتأثر خاصة العقارية، ولكن لن يكون التأثر كبيراً، ويضيف: "ستكون الخسائر مؤقتة في المراحل الأولى من الانفصال".

تأثيرات طفيفة على المغرب ومصر

يقول الخبير المصرفي المصري أحمد آدم لـ "العربي الجديد" إن تراجع تحويلات المصريين من بريطانيا تتأثر بانخفاض الجنيه الإسترليني نتيجة لخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي.
ويضيف أن هذه التحويلات ليست كبيرة للغاية، مؤكداً أن مصر ستتأثر ولكن ليس كثيراً، إذ أن غالبية تحويلات المصريين هي من الدول العربية، في حين أن مساهمة تحويلات المصريين في بريطانيا لا تتعدى النصف مليار دولار ضمن تحويلات إجمالية تصل إلى 20 مليار دولار.
من جانبه، يؤكد الدكتور إبراهيم عوض، أستاذ الاقتصاد في الجامعة الأميركية في القاهرة، على أن الأزمة في مصر ليست في تراجع حجم التحويلات من بريطانيا، وإنما في نقص حجم تحويلات المصريين من الخارج سواء لعوامل داخلية أو خارجية. وقال إن نسبة مساهمة تحويلات المصريين ببريطانيا في حجم التحويلات بالكامل منخفضة، رغم مساهمتها في دعم احتياطيات البلاد من النقد الأجنبي، خاصة أن الجنيه الإسترليني يساهم بنسبة جيدة في سلة العملات للاحتياطي النقدي.

في المغرب، يذهب مراقبون إلى أن تراجع قيمة الجنيه الإسترليني، لن تكون له تأثيرات كبيرة على الاقتصاد، لضعف المبادلات التجارية بين البلدين. ولا يتوفر المغرب على استثمارات كبيرة في بريطانيا، باستثناء التي تأتت للبنك المغربي للتجارة الخارجية بعد تحالفه مع "بنك أوف أفريكا". إذ أعلن محمد أكومي، المدير العام للبنك، في مؤتمر صحافي قبل أيام، أن انخفاض قيمة الجنبية الإسترليني، ستؤثر سلباً على البنك. غير أن تحويل إيرادات البنك من اليورو والدولار إلى الجنيه الإسترليني، سيخلف نتائج مهمة على مستوى الصرف في النصف الثاني من العام الحالي، حسب قوله.
وكان محافظ البنك المركزي المغربي، قلل من تداعيات انسحاب بريطانيا على الاقتصاد المغربي، حيث لن تتعدى 0,1 في المائة. وتعتبر المملكة المتحدة سابع زبون للمغرب، حيث صدر إليها سلعاً بـ 600 مليون دولار، بينما استورد منها بحوالي 800 مليون دولار. وتأتي بريطانيا في المركز 62 ضمن الاستثمارات الأجنبية للمغرب، بما نسبته 1 في المائة من استثماراتها في العالم.
ويقول الاقتصادي المغربي، محمد لشكر، إن تراجع قيمة الجنيه الإسترليني، كما انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لن يكون له تأثيرات كبيرة على العلاقات الاقتصادية بين البلدين. ويشدد لشكر في تصريح لـ "العربي الجديد"، على أن تراجع قيمة الإسترليني، سيساعد في الرفع من تنافسية الصادرات البريطانية في الخارج.
ويعتبر الاقتصادي المغربي، إدريس الفينا، أن انخفاض قيمة الجنبية الإسترليني، لن يكون له تأثيرات على قيمة الدرهم المغربي، الذي يرتبط باليورو والدولار، على اعتبار أن سلة العملات تتضمن 60 في المائة من الدولار و40 في المائة من اليورو. غير أنه ينبه إلى أن انخفاض قيمة الجنيه، سيرفع من قيمة الصادرات المغربية إلى ذلك البلد، وبالتالي ستجد صعوبة في تحقيق نوع من التنافسية في السوق البريطانية.
ويعتبر مصدر فضل عدم اسمه، أن تدفق السياح البريطانيين، لم يتأثر كثيراً بقرار انسحاب بلدهم من الاتحاد الأوروبي، فقد ارتفع عدد الوافدين منهم إلى مدينة أكادير السياحية 10 في المائة في سبتمبر/أيلول.
ويشدد على ضرورة انتظار المقبل من الشهور من أجل التعرف على تأثير انخفاض قيمة الإسترليني على السياحة المغربية، علما أن هذه الأخيرة تعاني من مشكلات في العام الحالي بفعل الأوضاع في المنطقة.

المساهمون