"ترانسفير" طائفي بطعم التقسيم في العراق

"ترانسفير" طائفي بطعم التقسيم في العراق

26 يوليو 2014
مسيحيون في كنيسة شرقي الموصل (كريم صهيب/فرانس برس)
+ الخط -
تقدّر منظمات دولية ومحلية عراقية عدد المواطنين الذين نزحوا في البلاد خلال الاشهر الستة الماضية، بنحو مليوني مواطن، غالبيتهم من سكان مدن شمال وغرب ووسط العراق، ولا يقتصرون على طائفة أو عرق محدد. 
وفشلت حكومة نوري المالكي والمنظمات الدولية في تقديم المساعدة اللازمة لهؤلاء، بشكل أدى الى تفاقم أوضاعهم الصحية والمعيشية وانتشار الامراض والأوبئة في مناطق الصراع ومخيمات النازحين. وتقول هناء محمد الطائي، مسؤولة منظمة "حياة" التابعة لشبكة الـ"NGO" العراقية لمنظمات المجمتع المدني المرتبطة بمجلس الوزراء، إن "العدد الحالي للنازحين في العراق المقر رسمياً لدى الحكومة هو مليون و570 ألف مواطن، لكن الحقيقة أن العدد قارب المليوني نازح في عموم مدن العراق، وهي أكبر موجة تهجير داخلية يشهدها العراق منذ الاحتلال الاميركي للبلاد في مارس/ آذار 2003.


ولا يقتصر التهجير في العراق على طائفة دون أخرى، لكنها تبدو بشكل أوضح على العراقيين السنّة الذين يشكلون ما نسبته 90 في المئة من مجمل المهجرين، يليهم الشيعة ثم المسيحيون والتركمان والأكراد وأقليات أخرى، وفقاً لمسؤوليين عراقيين. ويقول نائب رئيس لجنة متابعة ملف المهجرين في الموصل، المشكّلة من قبل الحكومة، ناجي العطواني، في حديث لـ"العربي الجديد"، إن غالبية العرب السنّة المهجرين إنما تهجروا بفعل القصف العشوائي وتهديدات الميليشيات. لكن الاخطر في ملف النازحين هم المسيحيون، فمغادرتهم ديارهم كانت بمثابة خطوة نهائية لاقتلاعهم من جذورهم في نينوى التي تعتبر مرتكزهم الاكبر في البلاد، ولديهم فيها مقدسات وتاريخ لا تضاهيه المقدسات الموجودة للديانات الاخرى بالمنطقة.

ويرى العطواني أن تناقص عدد المسيحيين في العراق من 3 ملايين في العام 2003 (كانوا يشكلون نحو 15 في المئة من سكان العراق)، الى بضع مئات الآلاف، هو "وصمة عار بحق العملية السياسية وشعارات التغيير التي أطلقتها الادارة الاميركية في البلاد"، كاشفاً أن الدول الاوروبية اجتهدت في فتح باب الهجرة أمام مسيحيي العراق الذين كانوا من أعضاء وقيادات حزب البعث المنحل.
وسبقت عملية تهجير المسيحيين من نينوى عملية مماثلة في بغداد بنحو واسع، لكنها نفذت ببطء كبير، أسفرت عن اختفاء واحدة من أبرز مناطق تركزهم السكاني على نهر دجلة بمنطقة "كرادة مريم العذارء" التي ضُمّت الى داخل أسوار المنطقة الخضراء بما فيها من منازل ومحال تجارية، وكنائس يبلغ عددها ثلاثة، فضلاً عن مقبرة تاريخية تعود للعهد العثماني في العراق، شيّد على جانبها الغربي مبنى حكومي في ولاية المالكي الاولى منتصف العام 2007.
كما اختفى الوجود المسيحي في محافظة الانبار، نهاية العام 2006، من مدينة الحبانية، غرب الفلوجة، وكانت تضم واحدة من أكبر مناطق وجود المسيحيين وكنيسة للكاثوليك شيّدت في العام 1813، واخرى للبروتستانت بناها البريطانيون في العام 1920 خلال احتلالهم للعراق. وولدت من تلك المنطقة شخصيات مهمة على مستوى العراق والمنطقة العربية، من بينها كابتن ومدرب المنتخب العراقي لكرة القدم، عمو بابا (عمانويل داوود)، ورئيس أساقفة بغداد، الاب صباح بطرس، وممثلون عراقيون مشهورون في حقبة ثمانينات القرن الماضي.


كما شهدت مدن قلعة صالح، في ذي قار، ومدينة العشار، في البصرة، ومدينة سلمان باك، جنوب بغداد، ومدينة المسيب، في بابل، عمليات تهجير ممنهجة للمسيحيين العراقيين على أيدي جماعات مرتبطة بـ"القاعدة"، ومن ثم "داعش"، فضلاً عن ميليشيات شيعية أيضاً. وأدى ذلك مجتمعاً الى تناقص أعدادهم بشكل مخيف، فضلاً عن تناقص عدد الكنائس بالعراق من 421 كنيسة ودير وكاتدرائية الى 213، غالبيتها شبه مهجورة، وتحولت إحداها في العام 2009 من "كنيسة الاب لويس" الى "مدرسة الامام الصادق للعلوم الاسلامية".

وحول ذلك، يقول الكاتب والباحث السياسي العراقي، أحمد الحلي، لـ"العربي الجديد"، إن "ما نشهده من هجرة داخلية على نحو كبير أمر مخطط له ولا يمكن اعتباره فوضوي، وهي عملية إعادة تشكيل المناطق العراقية على نحو ديني وطائفي ضيق للغاية استعداداً لعملية تقسيم البلاد وفقاً لمخططات معدّة مسبقاً بشكل لا يكون للمسيحيين فيه أي مكان".
ويذكر الحلي أن اليوم تنتشر مطالب عدة لإدارة محافظة بابل لضم مناطقها الشمالية ذات الغالبية السنية، الى بغداد، وهي جرف الصخر والبحيرات والاسكندرية وجرف الملح وغيرها التي تخضع حالياً لسيطرة الجماعات المسلحة.
ويوضح أن عمليات التهجير الداخلية في العراق تجري بشكل سريع وغير مسبوق، مع تغيير خريطة العراق السكانية الى مناطق سنية مقفلة تشمل شمال وغرب البلاد، وشيعية منغلقة تشمل الجنوب وجزءاً من وسط البلاد، "بينما يبقى المسيحيون الخاسر الاكبر في تلك المعادلة، لأنهم يفتقدون للدعم الاقليمي والدولي الكافي لإعادة تثبيت جذورهم في العراق"، على حد تعبيره.

"اليوم السبت وغداً الأحد"
ويروي الحلي أنه عندما جرى تهجير يهود العراق في العام 1951، وكانوا يشكلون حينها ما نسبته 2.6% من سكان العراق، قال أحدهم، وهو تاجر من بغداد: اليوم تطردون السبت، وغداً تطردون الاحد، في إشارة الى المسيحيين.
ويلاحظ الحلي أن المهجرين العراقيين يلجؤون الى مناطق انتمائهم الديني الاكثر أمناً؛ فشيعة نينوى وصلاح الدين يتجهون الى كربلاء والنجف، بينما يهرب سنّة البصرة وواسط وذي قار الى الانبارو وديالى والكرخ في بغداد. أما المهجرون المسيحيون، فيتجهون أيضاً الى مناطق تركزهم الديني في كردستان، في عين كاوه والمهد وجبل شمشون، بينما هاجر أكراد الموصل وديالى وبغداد الى الاقليم الكردي، وغادر نحو 3 آلاف تركماني الى أنقرة واسطنبول.

المساهمون